Friday, September 20, 2019

أسلافي: الهامسون خلف حائط مصمت






منصورة عز الدين


يحلو للكثيرين تشبيه فعل الكتابة بوضع رسالة في زجاجة ورميها في البحر أملًا في أن يلتقطها شخص ما. بالنسبة لي، الكتابة أشبه بالوقوف وحيدة، خلف حائط صلد ومصمت، للكلام أو الهمس أو الصراخ، مع يقين بأن لا أحد في الجهة الأخرى. ما يدفعني للمواصلة أمنية خافتة بأن يكون للحيطان آذان، كما يقال.

أسلافي، أو من آمل في الانتماء إلى سلالتهم، هم المعتصمون مثلي خلف حوائط مصمتة، مَن التهمتهم الشكوك نفسها، مَن واصلوا الهمس والكلام والصراخ وخبط رؤوسهم في جدران؛ يخدشونها فتنخدش أرواحهم معها، دون ضمانة بأن هناك؛ على الجانب الآخر من ينصت لهم أو يهتم بكلماتهم.

أفكر أحيانًا في أننا ربما لن نتحرر ككتاب لنكتب ما يخصنا حقًا، لا ما يُتوقع أو يُنتَظر منا، إلا إذا آمنا بأن الكتابة الحقة هي الكتابة للا أحد، للفراغ، للعدم. أكتب هذا، فأتذكر الروائي المجري ساندور ماراي، فحين اضطر لمغادرة وطنه بسبب معارضته للنظام الشيوعي الذي حكم المجر بعد الحرب العالمية الثانية، وجد نفسه أمام خيارين: أن يكتب بالإنجليزية التي يجيدها، أو أن يستمر في الكتابة بلغته المجرية مع متغير جديد مفاده أن كتبه ممنوعة من النشر أو التوزيع في مسقط رأسه.

اختار ماراي الكتابة للفراغ بلغته الأم في غياب شبه كامل لقرائه. فعل هذا لأنه خشي إن كتب بالإنجليزية أن ينزلق إلى تفصيل كتاباته على مقاس ذائقة أجنبية تبحث فيها فقط عن هجاء للشيوعية أو تنظر إليها كوثيقة اجتماعية عن بلد يقبع خلف الستار الحديدي للكتلة الشرقية. دفع صاحب "كازانوفا في بولزانو" عقودًا من العيش في ظل النسيان والتجاهل ثمنًا لاختياره هذا، وربما لم يتخيل مطلقًا، وهو يطلق رصاصة على رأسه في سن التاسعة والثمانين هربًا من المرض والاكتئاب والوحدة، أن أعماله سيُعاد اكتشافها خلال سنوات قليلة من انتحاره لتُترجم للغات عديدة وتلقى ما تستحقه من تقدير لتضعه، في مصاف أهم كُتَّاب العالم في القرن العشرين.

أتذكر أيضًا ميخائيل بولجاكوف بخياله الجامح وغير المألوف. من بين كُتَّاب كثيرين أقدِّر موهبتهم، وحده بولجاكوف من جعلني أومن بأن "المخطوطات لا تحترق"، وأن للأدب طريقته الخاصة في تخطي القمع والرقابة والبقاء شاهدًا عليهما وفاضحًا لهما. أحرق الروائي الروسي مخطوطة روايته الأهم "المعلم ومارجريتا"، ثم أعاد لاحقًا كتابتها من الذاكرة، لتنشرها أرملته عقب رحيله بربع قرن، بعد أن عاش لسنوات يخبئ مخطوطات أعماله في الأدراج لاستعصاء نشرها في ظل نظام قامع لن يتحملها أو يتسامح مع كاتبها. لذا كان من الطبيعي أن يقيِّم بولجاكوف أعماله وفقًا لاستحقاقها الإخفاء بعيدًا في ظلمة درج ما مع ما سبقها من مخطوطات، عرفنا لاحقًا عبر "المعلم ومارجريتا"، أنها لا تحترق مهما حاولت النار إفناءها.

كما هي العادة عند الحديث عن العائلات والأسلاف، ذِكر بولجاكوف يقودني في الحال إلى نيقولاي جوجول بهجائه الحارِق المُعادَل بسخرية لا تُبارَى. كان أيضًا، وعلى طريقته الخاصة، من سلالة اليائسين المرتابين المتشككين في جدوى التواصل عبر الكلمات، ومع هذا برعوا في تفجير أقصى الطاقات التعبيرية للغة، وشيَّدوا بالكلمات قصورًا وكاتدرائيات وأبراجًا وبيوتًا تمد العابرين بها بالدفء والسلوى.

حَرَق جوجول مخطوط الجزء الثاني من رائعته "الأنفس الميتة"، وبما أنني قضيت بعضًا من أمتع أوقاتي في قراءة جزئها الأول، فالفضول بخصوص المحتوى المحتمل للمخطوطة المحروقة يتملكني من وقت لآخر، لكن فضولي يمتزج بالامتنان حين أتذكر درس بولجاكوف: "المخطوطات لا تحترق". ففي الهواء المتخلل لتاريخ الأدب والمنتشر في ثناياه تظل نبرة جوجول حاضرة، لترشدنا وتشحذ مخيلتنا كي نسعي لترميم ما احترق وتخيل سيناريوهات مفترضة لعملٍ ضاعف غيابُه من حضوره.

أما كافكا فيأتي على رأس هؤلاء المتشككين اليائسين، ويروقني -كلما خطرت لي تفصيلة طلبه من صديقه ماكس برود حرق أعماله غير المنشورة- الاعتقاد بأن لمخطوطات كافكا إرادة خاصة دفعتها لرفض الاحتراق والإيحاء لبرود بالرضوخ لما تريده هي.

تطول القائمة لتشمل أبا العلاء المعري، التوحيدي، امرأ القيس، طرفة بن العبد، النفري، المؤلف المجهول (المؤلفين المجهولين؟) لـ"ألف ليلة وليلة"، طه حسين، عبد الفتاح كيليطو، خوليو كورتاثر، إرنستو ساباتو، كارلوس فوينتس، جين ريز، بورخيس، خوان رولفو، فاطمة المرنيسي، جاك دريدا، زيبالد، لاو تسي، تشانج تسو وآخرين. بدون هؤلاء وغيرهم لكانت حياتي قاحلة، ولكان يأسي أشد وأكثر تدميرًا.

هل قلتُ من قبل إن الكتابة فعل يأس؟! نعم، كررتُ هذا مرارًا. هي أيضًا "موت الكلمات" كما سبق وكتبتُ في "جبل الزمرد"، غير أن ما فاتني قوله، هو إنها فعل حب قبل أي شيء آخر، ومثلها في هذا القراءة. القارئ بدوره ينتمي، عبر القراءة، إلى عائلة وسلالة ينتقيها من بين الكُتَّاب والشخصيات الفنية. يغلِق القارئ كتابًا ما بإحساس من التقى لتوه بأقارب وأصدقاء لم يكن يعرف بوجودهم، بإحساس من ساعده مؤلف ما على التعرف على أعمق هواجسه ومخاوفه وعلى العثور على جزء من ذاته لم يكن يفطن قبلًا إلى غيابه.

أقول لنفسي أحيانًا: ربما في يوم ما، يغلق قارئ أو كاتب كتابًا لي، وقد وجد فيّ أو في شخصية من شخصياتي الفنية نسيبًا لروحه. ربما لم يكن الجدار الذي أهمس خلفه صلدًا بما يكفي لكتم صوتي، ربما كانت للحيطان آذان بالفعل، وربما حتى استحال الجدار بحرًا يحمل كلماتي في زجاجة مجازية إلى مَن سيختارون لي، وفق ذائقتهم وأهوائهم، سلالة ونسبًا، كما سبق واخترت لنفسي أسلافًا وضعتهم معًا في عائلة مفترضة دون استشارتهم في خطوة يمكن تصنيفها في خانة اجتراء الخلف على السلف وتعسف الحاضر على الماضي.

نقلًا عن موقع تكوين.. 2 سبتمبر 2019


قالت إن «جبل الزمرد» سردية مضادة لألف ليلة وليلة! منصورة عز الدين: الكتابة لعب مع المستحيل





عفاف على



إذا كانت الأسئلة هى البطل الرئيسى فى الكتابة، فإن رواياتها تخرج عن الأسئلة المألوفة، لا تطرح أسئلة ما بعد الموت وهو السؤال الذى يشغل معظم الكتاب والفلاسفة، ولكنها مشغولة بطرح أسئلة ما قبل الحياة.. إنها الروائية  منصورة عزالدين التى تبدو كتاباتها دائما حائرة بين الواقع والخيال، بين العقل والجنون. احتفاؤها بالكوابيس والأحلام لا يقل عن احتفائها بالواقع، فالأحلام عندها الطريق الوحيد للدخول إلى اللاوعى وفضح مكنونات الذات، تصعد جبال الحواديت بنفس طويل، وتعيد كتابة وحكى ما سكتت عنه جدتها شهرزاد، الموروث الشعبى عندها أداة طيعة تنجح فى توظيفه وإسقاطه على واقعنا السياسى.. عن مشروعها الروائى كان لنا معها هذا الحوار:


فى روايتك «جبل الزمرد» استعرت بعض الأدوات من ألف ليله وليلة ومزجت بين الواقعى والغرائبى. كيف نجحت فى مد خيط التناص دون الوقوع فى التقليد؟


ينبغى أن يقدم التناص جديدًا، وألّا يقلِّد النص الأصلى، بل أن يفككه ويكشف ثغراته ويلعب عليها لطرح أسئلة تخص الكاتب وتنبع من انشغالاته هو، أى أن يكون التناص سبيلًا لتقديم سردية مضادة للنص القديم تجعلك تنظر إليه بعين مختلفة. أنظر بحذر وتشكك إلى النصوص التى تحاكى لغة «ألف ليلة» مثلًا، أو تستعير بنيتها أو منطق التخييل فيها بامتثال دون محاولة للتمرد على هذا العمل الإشكالى الحافل بالصراعات والتناقضات والتركيب.«جبل الزمرد» سردية مضادة لألف ليلة وليلة، وكان هذا طموحى حين بدأت كتابتها، رغبت فى أن يكون لروايتى أسئلتها الخاصة ولغتها المختلفة، وحتى نمط تخييلها المغاير عن مخيلة الليالي. كان هدفى تفحص العلاقة بين الشفاهى والكتابى، انطلاقًا من أفكار جاك دريدا و«محاورة فايدروس» لأفلاطون، ولم أجد أفضل من درة النصوص الشفاهية المتوارثة كى يكون تكئة لهذا التفحص. أردتُ أيضًا التوقف أمام مفهوم التحريف والعلاقة بين «الأصل» (المفترض) وصوره المختلفة، وكانت «الليالي» نقطة انطلاق مثالية لهذا الهدف أيضًا، وللتأكيد على هذا يكفى تأمل الفروقات بين الطبعات المختلفة منها، أو لنقرأ طبعة محسن مهدى مثلًا ، ونحاول المقارنة بينها وبين الطبعات ذات الحكايات المضافة.


 الشخصيات الرئيسية فى الرواية نساء.. ما مدلول ذلك فى فلسفتك فى الكتابة؟


فى وجه من وجوهها، تضمر «جبل الزمرد» نزعة لتأنيث العالم، لا يتعلق الأمر فقط بأن الشخصيات المحركة للأحداث والممثلة للتحول والتغيير، بل والزلزلة، فى عوالم الرواية نساء، بل يمتد هذا إلى بنية العمل والمسكوت عنه فيه.


 فى رواية «أخيلة الظل» قلت إن «الكتابة هى محاولة لنحت تمثال ثلج عند خط الأستواء».. ألا يدخل هذا التعبير فى دائرة الجنون وأنت تعرفين النتيجة مسبقًا؟


هذا الرأى يخص إحدى شخصيات العمل، ومع هذا يمثلنى ويعبر عن نظرتى أنا الأخرى للكتابة. هى فى نظرى سعى شاق وممتع فى آن بلا نقطة وصول نهائية، يشبه الأمر تسلق جبل تعرفين سلفًا أن لا سبيل لبلوغ قمته، لأن هذه القمة مجرد سراب. لا أرى هذا أمرًا محبِطًا، بل على العكس أراه محفزًا على التجويد والسعى الدءوب، واللعب مع المستحيل.


 فى «وراء الفردوس» صور أثيرة تنهض على مفردات الجنان التى تجرى من تحتها الأنهار لكنك جعلت هذه الصور متوازية مع صورة البيت الريفى القديم.. ما تعليقك؟


لا أرى أن هذا التأويل يمثل الرواية. البيت الريفي؛ المنزل الأول وبيت الطفولة فى «وراء الفردوس» لم يكن فردوسًا حقًا، بل كان يضمر الجحيم فى داخله. الرواية تخضع مفردة الفردوس للمساءلة بشكل ضمنى وتتفحصها وتوحى بنسبيتها وقدرتها على أن تحتوى على نقيضها. لو كان الماضى وبيت الطفولة فردوسًا لما مثَّل كل هذا العبء النفسى على البطلة؛ سلمى رشيد، ولما بدأت الرواية بحرق سلمى للصندوق الذى يضم أوراق العائلة (ذاكرتها؟).


 «كاتبة الحافة - المنضبطة والصارمة».. هكذا وصفتك الكاتبة عبلة الروينى.. ألا ترين أن هذا الوصف يقيد الخيال ويحد من الرومانسية وهما من أدوات الكاتب؟


الوصف يعبر عن رؤية الصديقة العزيزة عبلة الروينى لشخصيتى كإنسانة وكاتبة، ومن وجهة نظرى أنه لا يوحى بتقييد للخيال أو بانضباط مبالغ فيه، لأنه يشتمل على الموازنة بين نقيضين هما العيش والكتابة على الحافة، بما يعنيه هذا من مغامرة ومخاطرة وبين الانضباط والصرامة اللتين أراهما ضرورة لأخذ النفس بجدية شرط أن يشتملا على قدر كبير من المرونة. عن نفسى تعجبنى مقولة بورخيس: «أكتب بجدية الطفل الذى يلهو» لأنها تدمج بين الجدية ولهو الأطفال، وتصلح لتوصيف علاقتى بالكتابة.


 كيف تحافظين على إبداعك من شبهة التصحيف وهو المأزق الذى يعانى منه معظم المبدعين الصحفيين؟


إن كنت تقصدين بهذا عدم الانزلاق إلى اللغة الصحفية التقريرية، فربما يكون ما ساعدنى أنى أكتب فى جريدة أدبية، مما يعنى أن اللغة المستخدمة أقرب للغة الأدب منها للغة الصحافة. الأمر الآخر، أنى مولعة باللغة العربية وصلتى قوية بكتب التراث والمعاجم القديمة، قراءة صفحات من «لسان العرب» ومؤلفات الثعالبى والجرجانى وابن جنى والشعر القديم وكتب الجاحظ والتوحيدى عادة يومية عندى، لا يعنى هذا تكلف لغة تراثية أو فصاحة متكلفة منقطعة الصلة بنبض العصر الحالى، بقدر ما يعنى تنمية ذائقة لغوية ودراية دقيقة بتاريخ المفردات وبدرجات التباين الطفيفة بين المترادفات، وتعزيز الحساسية الأسلوبية الخاصة. لكن من جهة أخرى، وعلى عكس الشائع أرى أن العمل فى الصحافة أفاد لغتى وضاعف من دقتها خاصة أننى أحرر قسم الكتب فى الجريدة منذ 2003.


 النقاد يصفون أسلوبك فى الكتابة بـ«الغرائبية».. هل لأن الواقع أصبح ضيقا، أم هو تمرد على الأدب الرفيع بمفهومه القديم؟


أتحفظ على التصنيفات والخانات الجاهزة، لأنها تؤدى فى الغالب إلى الاستسهال. تصنيف مثل الغرائبية (ينطبق هذا على أى تصنيف آخر) يملك من السطوة ما يمنع قراءة النصوص من داخلها، بمعنى أنه حين توصف كتابة كاتب ما بأنها غرائبية، وحدث أن كتب هذا الكاتب رواية واقعية ستجد من يصنفها كرواية غرائبية بحكم العادة، لأن ما استقر فى الذهن أنه يكتب كتابة غرائبية أو مفارقة للواقع. التصنيف فى هذه الحالة يسبب نوعًا من انعدام الرؤية. من جهة أخرى، غلبة الكابوسى أو الغرائبى على كثير من نصوصى ينبع من رؤية فنية تنحاز للتخييل والتركيب وتفكيك الواقع وإعادة تركيبه، لا علاقة للأمر بضيق الواقع من عدمه. فى ما يخص التمرد على الأدب الرفيع، فرغم تحفظى على المصطلح، أرى أن الغرائبية لا تتعارض معه، وإلّا كنا أخرجنا كتابًا مثل كافكا وبورخيس وكورتاثر وبولجاكوف من إطار ما يُسمَّى بالأدب الرفيع. أتذكر أننى كنت قد أشرت قبل سنوات إلى التمرد على ما يطلق عليه «الأدب الرفيع"، ولكنى لم أقصد بهذا الغرائبية نفسها، وإنما اتساع دائرة الإلهام لتشمل الـ"بوب آرت» وأنواع أدبية لطالما طُرِدت من جنة «الأدب الرفيع».


 باعتبارك من جيل الكتاب الجدد ما رأيك فى مقولة «نحن لا نكتب إلا عن ذواتنا لأنها الشئ الوحيد الذى نعرفه» هل هى منصفة للإبداع أم ظالمة له؟


لا أومن بالتصنيفات الجيلية ولا بتقسيم الكتاب عبر معيار السن، لكن فى ما يخص هذه المقولة، فمنذ بدأت الكتابة وأنا أكتب على النقيض منها، فى أعمالى الإبداعية لا أكتب سيرة ذاتية، وشخصياتى الفنية مخترعة فى معظمها، هذا بخلاف أن التخييل الجامح شرط أساسى فى الكتابة التى تلفت نظرى كقارئة. وبعيدًا عن هذه المقولة، اعتاد هيمنجواى أن يقول «اكتب عن ما تعرف"، فى حين يرى آخرون، وأنا منهم، أن على الكاتب أن يخوض فى غير المألوف له، ودوره أن يعرف ويبحث ويتعلم جديدًا كل يوم.بالعودة للمقولة الأولى التى أشرتِ إليها فى سؤالك، أنا لا أحكم على من ينطلق منها، فقط أقول إنها لا تمثلنى ولا تعبر عن كتابتي. وبشكل عام لا أفضل الكتابة انطلاقًا من أفكار جاهزة مسبقة. بطبيعة الحال، كل كاتب ينطلق من ذاته؛ مما يؤثر فيها ويستفزها أو يحركها، لكن هناك من يبتعد عن نقطة الانطلاق الأولى هذه لخلق عوالم أوسع وأكثر تركيبًا، وهناك من يجيد الحفر فيها (أى فى ذاته) للوصول إلى مشتركات إنسانية تمس البشر جميعًا ويتمكن الآخرون من رؤية انعكاساتهم فيها، فى حين أن هناك نوعًا ثالثُا يكتب من شرنقة الذات دون حتى إجادة رؤيتها أو التبصر فيها. الفيصل هنا يكون عبر قراءة النصوص نفسها والحكم عليها من داخلها والابتعاد عن الأحكام العامة والمطلقة قدر الإمكان.


 وما أخطر ما يهدد هذا الجيل الجديد؟


أخطر ما يهدد أى كاتب، بغض النظر عن مسألة الأجيال هذه، الارتكان للمألوف وعدم وضع أفكاره عن الكتابة موضع الشك والتساؤل من وقت لآخر، وعدم السعى لتطوير الذات، وإهمال القراءة والبحث.


 الوسط الأدبى والصحفى ذكورى جدًا.. هل تعانين من هذا الكمد؟


أعيش وأعمل فى عزلة اختيارية شبه كاملة عن الوسطين الأدبى والصحفي. ما يهمنى وما انشغل به بالأساس نصى الخاص. أنا واعية بالطبع للعقلية الذكورية السائدة فى كافة الأوساط فى مجتمعنا، وتفكيكها إبداعيًا وفنيًا من منطلقات الكتابة عندى، فالرد الأمثل عليها يأتى عبر الإبداع ومن خلال تنقية الذات من شوائب الفكر الذكورى، وليس بالتشكى والبكائيات. 


 عن مجلة "الإذاعة والتليفزيون".. 25 يوليو 2019.