Saturday, May 12, 2018

راوٍ في عالم متلاشٍ يتقمص أشكال الكائنات وطقوس حيواتها








كتاب "مأوى الغياب" يتناول صراعا ديناميكيا بين لغة عقلانية ومؤسساتية تشكل هيولى العالم، فيما يبشر غياب اللغة بالانهيار عبر توظيف أسطورة تحوت، مخترع الكتابة.


السبت 2018/04/28

عمار المأمون



تشير علامة التجنيس في كتاب “مأوى الغياب” للكاتبة المصرية منصورة عزالدين إلى أنها متتالية قصصية تتألف من خمسة عشر نصا أو قصة، تجمعها موضوعة الصراع بين اللغة وغيابها، وكأن عزالدين تكتب عن أثر يمّحي بمجرد تكونه لغويا، أشبه بسوء اقتباس عن أصل متخيّل.
يتناول الكتاب، الصادر هذا العام عن داري “سرد” و”ممدوح عدوان”، صراعا ديناميكيا بين لغة عقلانية ومؤسساتية تشكل هيولى العالم، فيما يبشر غياب اللغة بالانهيار عبر توظيف أسطورة تحوت، مخترع الكتابة وإله الحكمة المصري، وصراعه مع ربة الطلاسم، فالأخيرة تغوي مريديها إلى عوالم تختفي ضمنها حقيقة الكلمات، وتتلاشى العلاقات النحوية بينها لتبقى الذات حبيسة الأوهام والتخيّلات.



تشترك الأساطير المرتبطة بالخلق والتكوين، سواء في الديانات الوثنية أو الإبراهيمية، بعلاقتها الوثيقة بالكتابة، وباللغة بوصفها مفتاحا للوجود. ليأتي بعدها التدوين بوصفه انتصارا للعقل وأساس أي نظام للموجودات، إلا أن الرواية تحضر ضمنه، بوصفها بحسب بعض نظريات الألسنية المعاصرة “كلاما غير جدّي”، وخيالا لا تأثير له في العالم، لكن هذه اللاجدية، هي ما تكسب الرواية قدرتها على خلخلة يقين العالم ولغته المنطقية، أشبه بلغة ضد “اللغة”، تختبر حدود المعنى، وتكشف عمّا أغفلته تقنيات التوصيف الرسمية.


الانعتاق من الأنا


نقرأ في النص الأول بعنوان “مدينة هالكة” عن تضاريس اللامكان، وشخص معلق أعلى صخرة حيث تلاشى العالم متروكا هناك على حافة السقوط، وكأن هذه الصخرة والخراب من حولها، هما أول اليقين وبعده تبدأ مفاتيح الشك، لندخل عوالم الخيال، وكأننا في جغرافيات ترابها كل نص مكتوب، كان أدبيا أم لا.
هذه العوالم تجمع كل من مارس فعل الكتابة، ليحضر وكأنه ارتقى أو سقط إلى عالم أساسه جوهر لغوي مشكوك في حقيقته، في ذات الوقت تنبع عنه كل النصوص لتصبح الأنا آخر معجونا بذوات بالآخرين، فما شهده المرء وحفظه لغويا، يتداخل مع مدن الآخرين وعجائب الأرض التي ابتكروها، ملتحما بشكل عضوي مع كلماتهم ووعيهم اللغوي.
تمّحي ذات الراوي إثر وعيه بمكوناتها اللغوية ويتفكك إدراكه لهذه الذات تدريجيا، ليغدو متحولا، لا ضابط له سوى إدراكه للتحول، هو يتقمص أشكال الكائنات وطقوس حيواتها، ينقسم مع خلاياها ثم يعود إلى فراغه، يتحرك في مساحات لا يمكن ضمنها تحديد جوهره، فكلما وصفَ لغويا تلاشت بصيرته.
تحضر ضمن التحولات السابقة ربة الطلاسم، تلك التي رفضت هبة الإله تحوت اللغوية، ووظفتها ضده، فتمائم اللغة وطواسينها تشكل المساحات التي تخلخل الوعي اللغوي، وتفتح الأبواب إلى عوالم الربّة التي تحل في الكائنات والعناصر، ثم تغيب خاطفة معها عقول من يريد الوصول لها، وكأنها توحي لمريديها بالأوهام، وتنادي راء تغيب ذاته، وينحل في ذوات الأشياء والعناصر والأفراد عله يلتقط أثرا لها.
نقرأ في الكتاب عن مرجعيات من الواقع إلى جانب تاريخ اللغة ذاتها، ونتلمّس عوالم تشابه ما نعرفه أو ما نسيناه، لتتضح لنا في النهاية العلاقة بين الواقعي والمتخيل، فالثلاثة الذين نقرأ عنهم ونحاول فهم تهيؤاتهم، أسرى النسيان ذاته، أشبه بضحايا ساحر، يحاولون جعل خدعته تنطلي عليه، هم ذوات تتلاشى وتتداخل، ضمن رواية أشبه ببديل عن العالم، أو قرين لا يتكرر. أما الرائي، ذاك تتلاعب به ربة الطلاسم، يكتشف أنه أضاعها، ليغدو التيه رحلته للبحث عن ذاته، لا عن مدائن ربة الطلاسم وتكويناتها، إذ يقول “أكافح كي أنسى، غير أن ذاكرتي تبقى حية نابضة، أحسد رفيقي أحيانا “هو على تغييبه المتعمّد لعقله، وهي على هلاوس فطرية تلغي الواقع، وتفصلني عنها”.

الذاكرة كنص

تحيلنا الرواية إلى الذاكرة الفردية، بوصفها حضورا لغويا، يمكن التلاعب بمفاهيمها عبر اللغة التي تكوّنها، فهل الذاكرة حقا وليدة خبرة جسدية معيشة، أم أنها مجرد تكوينات تنتمي إلى اللغة ومعانيها، هذه العلاقة الهشة مع الذاكرة، تبيح وباء المخيلة، فكل ما هو نصي قابل للتخيّل، أما الفراغات التي تحويها الذاكرة، فيمكن ملأها بالخيال، ليغدو الأخير واقعيا، كون اللغة وألاعيبها/الذاكرة هي ما تولد الأحاسيس والمعتقدات والأفعال، وهذا ما نقرأه، إذ يشك الراوي في ما يراه دوما، هل هو ملكه، أم يعود إلى نص آخر، كتب في مكان ما، أم لذاكرة ربة الطلاسم، فإيمانه ويقينه تلاشيا، ليبقى أسير الشك، مسائلا خبرته الشخصية، أكانت حقيقة أم مجرد كلمات مرصوفة محكومة بنبضات المخيلة.
تحاكم الرواية الكتابة بوصفها قيدا وانزياحا عن الغياب، مبشرة باللاحضور الكلي، كما في النزعات الدينية أو الرومانسية، والتي ترى في الكلمات مجرد ألاعيب ومحاولات قاصرة، لا ينتصر عليها سوى الصوت، بوصفه ضد التاريخ، كونه غير قابل للتدوين، ففي اللحظة التي تتشكل فيها الأحرف، تتلاشى الحقيقة وتنمو الحكاية التي لا يقين فيها. فإن كانت الكتابة أداة الحكمة، فالصوت أداة للتحول، ومعه لا تكرار أو بنى ثابتة، والكل مهددون بالسقوط من أعلى صخرة المصير، أما التدوين فليس سوى مجرد ألاعيب لهندسة الوقت الثابت، لنفي الصوت الصرف، هو محرك الزمن نحو اللانهاية، حيث لا كلمة ولا صدى.

نقلًا عن جريدة العرب الدولية.

Thursday, May 10, 2018

مأوى الغياب: لحظات الانشقاق والتحول في بنية الكتابة الأولى






 د. محمد سمير عبد السلام

تتضاعف الفضاءات التصويرية، والعلامات في المتوالية القصصية مأوى الغياب للروائية المصرية المبدعة منصورة عز الدين؛ وقد صدرت عن دار ممدوح عدوان للنشر بسوريا، ودار سرد 2018؛ فالنص السردي هنا يستنزف بنيته الذاتية، وينتقل إلى الكتابة بمدلولها الواسع، ويحمل النص الإشارت إلى بكارة تشكل الكتابة الأولى في رمزية استعادة تحوت، ثم يحتفي بإشارات التحول، والصيرورة الإبداعية للعلامات في خطاب شخصية ربة الطلاسم؛ فالكتابة هنا تشبه ديناميكية الحياة، والآثار الجمالية للوجود، والغياب، دون مركز.
وتومئ الساردة إلى عالم تصويري افتراضي يجمع الكتاب، وبعض شخصياتهم الفنية؛ مثل بورخيس، وكافكا، وكالفينو؛ وكأن مثل هذه العوالم الجمالية الاستعارية، تمهد لتجاوز مدلول الخصوصية في الكتابة، وتنتقل إلى المستوى الكوني / الجمالي فيما وراء الإدراك الذاتي للنفس، والعالم؛ وكأن هوية الساردة ستصير قيد لعبة حلمية في تداعيات الكتابة، واتساع مجالها الرمزي والتصويري في آن؛ وتذكرنا تلك العوالم الافتراضية الأولى بتضاعف النسخ في مكتبة بابل عند بورخيس، ومراوحتها بين المحدود، واللانهائي، أو السرمدي، وإن كان تضاعف العلامات عند منصورة عز الدين، يسعى لتفكيك بنية الغياب من داخل لعبة الكتابة، وصيرورتها، والتباسها السحري بالتشكيلات، والرموز التي يتداخل فيها الشخصي، باللاشخصي، والكوني.
هل تبدو الكتابة هنا انشقاقا مستمرا عن الأصل؟ أم عن مركزية تصور البدايات؟
إنها تبدو مثل لعبة أنثوية، تقوم على أخيلة المياه، ومقاومتها للتحديد؛ وهي تتجلى كتموجات من المجالات الاستعارية الجزئية المتداخلة المتجاوزة للغياب من جهة، أو كحفر مستمر للأثر الجمالي، يأتي مصحوبا بمتعة مستمرة لبدايات ذات نهايات مؤجلة؛ فمقاومة النهايات – في النص – تتجلى كرد فعل لعبثية التدمير، وآليته في المشهد الأرضي الصاخب؛ وكأن استراتيحية التحول التصويري تكمن في العمق الدلالي لبنية الغياب نفسها.
ويقوم النص أيضا على لعبة تداخل الأصوات، وتعدديتها بين أخيلة كل من الأنا، والآخر؛ فحضور الأنا قد يبدو كأثر جمالي نسبي في وعي الآخر، وأخيلته؛ ومن ثم يؤكد النص النزوع ما بعد الحداثي لتجاوز بنية الذات، والتباسها بالصور الحلمية، وبأخيلة الآخر / المحتمل.
وتقوم الرؤية السيميوطيقية للعالم الافتراضي الجديد – عند منصورة عز الدين – على التأثير الجمالي التأويلي لتشكيل / المثلث؛ وحدوده الغابة، والجبل، وبحر الأخيلة؛ وتبدو مثل هذه العلامات الثلاث كمحاكاة ساخرة ما بعد حداثية لصخب العالم، والتعالي الروحي الصوفي، والصيرورة الإبداعية للأخيلة التي تقع بين وعي الذات، وما يتجاوزها؛ فالجبل يقترن بفراغ إبداعي متعال، والغابة تشير إلى وجود صاخب تمثيلي؛ أما البحر فيبدو افتراضيا، ويقع بين الوعي، وأخيلة العالم، وتجدد الكتابة الأولى في صيرورة لانهائية محتملة.
وتومئ عتبة العنوان / مأوى الغياب إلى التعددية الدلالية لبنية الغياب؛ فالمأوى الافتراضي الذي اقترن بعوالم الكتاب الخيالية، صار فضاء تصويريا صاخبا في عمق الغياب، وأخيلة التدمير، وقد يشير إلى تجاوز الذاتي في الصور التأويلية المتخيلة المقاومة لمركزية الهوية، وخصوصيتها؛ فقد رأى السارد نفسه طفلا يلعب بين جدران متهدمة، أو رجلا يحفر، ويسوي الأرض ثم يعاود الحفر في العوالم الحلمية، وقد يرتبط الغياب بصيرورة الدوال، والتشكيلات التصويرية قبل تشكل المعنى، وربما في تجاوز المعنى نفسه في وفرة الصور، ولا مركزية تشكلها، واستحالة تحديدها، أو تأويلها.

*بكارة تشكل الموجودات في كتابة تحوت:

تجمع كتابة تحوت – في مأوى الغياب – بين الرغبة في التوثيق، والتسجيل، وبكارة التجسد التصويري الأول للعالم؛ وخاصة في الوعي بعلامة المرآة التي تشير إلى مبدأ التضاعف التصويري من داخل النزوع إلى التوثيق؛ فالنسخ والتشبيهات كما هي في تصور بودريار، تتجلى داخل التشكل الأول للمرآة التي تستنزف كلا من الامتلاء بالحضور، والفراغ معا.
وتذكرنا مثل هذه الإشارت إلى التجسدات التصويرية بتصور دريدا الواسع عن الكتابة الأولى، وتجاوزها لمدلول اللغة في كتابه في علم الكتابة؛ إذ يرى أننا كنا نطلق كلمة لغة على الفعل، والحركة، والفكر، والوعي، واللاوعي، والخبرة، والانفعال، ولكن نميل الآن أن نطلق كلمة كتابة على كل هذا، وعلى أشياء أخرى؛ فثمة كتابة أبجدية، ورمزية، وتصويرية، وموسيقية، ونحتية، ويؤكد أن المدلول يؤدي وظيفة الدال، ويقع من جديد في لعبة الإحالات. (راجع، جاك دريدا، في علم الكتابة، ت: أنور مغيث، ومنى طلبة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، ط2، 2008، ص 66، 69).
تتجاوز الكتابة – عند دريدا إذا – النسق اللغوي، وتميل إلى الأداء الذي يقع في قلب الوجود، وصيرورته التمثيلية الرمزية المحتملة، ونسخه التي تقع في لعبة الدوال.
هكذا تبدو تجسدات المرآة التمثيلية انشقاقا عن بنية التوثيق في الكتابة الأولى في نص منصورة عز الدين؛ فهي مفتتح للعبة الإحالات التمثيلية، والتصويرية المحتملة.
كما تؤكد كتابة تحوت – في النص – مدلول المكمل / الزيادة عند دريدا في ازدحام الوعي بوفرة الصور، والمشاهد، والشخصيات؛ وكأن الموجود يشيل إلى تضاعف محتمل للنسخ والتشبيهات من جهة، وإلى الالتباس الأول بالنظير التشبيهي الجمالي المحتمل في صيرورة الكتابة المكملة من جهة أخرى.

*التشكيل السيميائي للفضاء الافتراضي المثلث:

يتشكل العالم الافتراضي الخيالي للسارد من تكوين المثلث الذي يقع بين العالم الداخلي، والمجال الكوني، ورمزيته، والعالم الفني الجمالي؛ يقول السارد:
"لاحظت أنني في بقعة مثلثة الشكل؛ أحد أضلاعها يستند إلى جبل شاهق، والضلع الثاني يقود إلى غابة ممتدة، وحين وصلت إلى حافة الضلع الثالث، اكتشفت أنه يطل على بحر خيالاتي الهائج". ص 28، ثم يومئ السارد إلى صخب الغابة، وذاكرتها الحديدية الكونية، وأثرها الباقي كوشم النار فيمن يهتم بأمرها أو يتجاهلها، بينما بدا البحر داخليا، أو كتأويل أنثوي للوجود، واقترن الجبل بالفراغ المتعالي الروحي.
ويتجلى الفضاء السيميائي الافتراضي للمثلث – في المتوالية بصورة تجمع بين الكثافة الرمزية الكونية، والتأويل الإبداعي الخيالي، أو الاستعاري للعالم؛ فالمثلث ينفتح بصورة دائرية على الداخل، ويرمز لما يستنزف الداخل نفسه باتجاه الكوني الفسيح، وباتجاه العمق الكامن في صيرورة الكتابة الأولى؛ وكأنه مثلث إبداعي يتشكل دائما من تموجات المياه الخيالية، ومن صخب الفراغ، وأطياف الفن.
ويرى كاندنسكي في كتاب عن المكون الروحي في الفن أن المساحة المتسعة من المثلث تتضمن تحركا خفيا نحو الأمام، وإلى أعلى؛ وتمثل قمته رجلا متفردا وحيدا، يحمل الكآبة والغموض مع البهجة.
(Read, Kandinsky, Concerning the spiritual In Art, Translated by Michael T. H. Sadler - semantikon.com, P 13). 
هكذا تتضمن رمزية المثلث – عند كاندنسكي – ديناميكية، وتناقضا إبداعيا داخليا؛ وهو ما يؤكد تأويلاته المائية الخيالية عند منصورة عز الدين؛ وهو – في المتوالية – يجمع بين الاتساع الكوني، والرمزية المجردة التي تستعصي على التحديد، والاختزال.

*أخيلة المياه كمؤولات للذات والعالم:

يبدو الكون كله مائيا في وعي السارد، ويتداخل في تموجاته الجسد، والفراغ، والعلامات الكونية؛ ويذكرنا بطاقة الأنيما الأنثوية عند باشلار؛ إذ يشير في شاعرية أحلام اليقظة إلى نفورها من الحوادث، واتصالها بالتأملات الشاردة للمياه خاصة. (راجع، باشلار، شاعرية أحلام اليقظة، ت: د. جورج سعد، المؤسسة الجامعية للدراسات، والنشر ببيروت 1991، ص 63، 64).
يربط باشلار – إذا – بين طاقة التأملات في حلم اليقظة، وأخيلة المياه الأنثوية؛ وسنجد أن التأملات الإبداعية الشاردة في كتابة منصورة عز الدين صارت تحمل صخب الصيرورة الكونية، وتضاعفها الاستعاري المحتمل بين الفضاءات الداخلية، ودينامية مفاهيم الوجود، والحياة، والموت، والغياب، والانتشار الإبداعي المستمر للعلامات، والأصوات، والشخصيات الفنية معا؛ فالكون أصبح مجموعة تموجات تقاوم التحديد الزماني، وتعيد تشكيله فنيا؛ ويؤكد هذا التصور توحد المجالات التشكيلية بين السارد، والتجسد الجمالي لتصميم القلعة؛ إذ شعر بدهاليزها، ونوافذها في عالمه الداخلي؛ لقد صار تكوين الذات سورياليا مرنا، أو صار كتأمل في حلم يقظة استبدالي؛ ومن ثم صار الجسد نوعا من الكتابة التشكيلية التصويرية المعمارية؛ فالتجسد يموج كمادة قيد التحول الإبداعي المستمر.

*الصوت التمثيلي، وتعددية الخطاب:

تقوم متوالية مأوى الغياب لمنصورة عز الدين على مواصلة التجريب في بنية الصوت السردي، وفي تعددية الخطاب، وتداخلاته بين الشخصيات التي تقع بين عالمي الأنا، والآخر، كما يرتكز الخطاب على التجريب في التبئير الداخلي المتنوع وفق تعبير جينيت؛ إذ نعاين مجموعة من الأصوات التي تتصل بأصوات أخرى مكملة، أو مخيلة لأساطير، أو شخصيات إبداعية وليدة الرؤى الإنتاجية في تداعيات الكتابة؛ مثل صوت سارد / كاتب يعايش عوالم افتراضية للنصوص، والكتاب، وصوت الأنثى التي تعاين عبثية التدمير، وبزوغ عوالم الكتابة الاستعارية في المشهد الكوني، ونعاين صوتا تمثيليا متخيلا لتحوت، أو إعادة تشكيل لصوته الاستعاري في زمن آخر، ثم يتجلى صوت ربة الطلاسم التي تبدو مكملا مختلفا لتحوت، ويرتكز خطابها على الصيرورة الإبداعية للدوال، وتجاوز المنطق المحدود، والانفتاح على معرفة غنوصية مثلما تحدثت عن رؤيتها لذاتيتها التي تقع بين الأسطورة، وتحولات الكتابة، وانشقاقها المستمر عن المدلول الأول، باتجاه انفتاح الصور، والتأملات التصويرية.
         
نُشرت المقالة بجريدة الحياة.