Thursday, July 15, 2021

يوسف رخا: لن أكتب رواية للاختباء خلفها

  

أرتاح في الكتابة باللغة الثالثة

 

شعرت بأنّي أقطع صلتي بالجميع أثناء كتابة "التماسيح"!

 

حوار: منصورة عز الدين

 

كل مرة أقرأ فيها عملاً ليوسف رخا، ينتابني إحساس أنه يكتب بنفسية من يخطط لعملية انتحارية، إذ لا يكف عن المخاطرة ووضع كل شيء على المحك. اتفقت أم اختلفت مع رؤاه الفنية والفكرية والسياسية، ثمة اطمئنان دوماً إلى أنك أمام شخص يمكنك النقاش معه والعثور على جملة مشتركة أو نقطة التقاء حتى لو كنتما على طرفي نقيض. ما أقصده هو أنه صاحب عقل مشاكس معادٍ للخمول والطمأنينة الزائفة، وأنه قادر على نقل هذه العدوى للآخرين، والأهم أنه غير مستعد للمساومة على أفكاره بحثاً عن القبول والاعتراف. حين التقيت به لإجراء هذا الحوار قبل أسبوعين من إعلان القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، لم أكن قابلته منذ خمس سنوات. بادرته ضاحكة بأنه فجّر نفسه في جيل التسعينيات بكتابته لروايته السابقة "التماسيح"، ضحك ولم يعلق على هذه الجملة سوى في نهاية حوارنا الذي تركز في معظمه على آخر رواياته؛ "باولو" (دار التنوير 2016). "باولو" رواية محيرة وتثير أسئلة إشكالية أقصد جمالياً وفنياً بالأساس، أتذكر أنني حين بدأت قراءتها فور صدورها، انزعجت من لغتها ولم أتمكن سوى من قراءة صفحات قليلة ركنتها بعدها منتقلة لقراءات أخرى. لم يكن سبب انزعاجي تمسكي بلغة معيارية ما أرى أن على الكتاب عدم الخروج عنها، ولا معاداة لدمج الفصحى بالعامية في السرد، بل إحساسي أن المستوى اللغوي الذي اختاره رخا لـ"باولو" مُفكَّر به أكثر من اللازم ومتكلف بدرجة تعيق انسيابية القراءة، وأنه بالأساس نابع من رغبة الكاتب في التجريب اللغوي وليس له ما يبرره فنياً. بالطبع، ليس من الصحيح الثقة بهكذا انطباعات دون قراءة العمل كاملاً، لكن هذا ما حدث. ثم عدت للرواية قبل شهور، وتجاوزت تحفظاتي على اللغة بعد صفحات قليلة، واندمجت في الأحداث وفي تعقب شخصية باولو بتهويماتها وهلوساتها وأحلامها. لاحظت أن اللغة ليست واحدة، بل تتعدد مستوياتها وتتنوع درجات الصنعة بها من جزء لآخر، كما تتماهى مع العهد القديم (سِفر إرميا تحديداً) في مواضع بعينها، حتى تصل إلى لغة الشارع كاملة العامية في نهايتها. رأيت هذه المستويات اللغوية أشبه بأقنعة يتخفى باولو وراءها، وضاعف من إحساسي هذا أنه مع نهاية الرواية وانهيار باولو اختفى القناع اللغوي ليجد القارئ نفسه أمام عامية الشارع بلا صنعة أو تكلف.

أي أن مستويات اللغة التي لجأ إليها صاحب "الطغرى" في "باولو" لها ما يبررها فنياً داخل العمل، كما أنها انعكاس للحالة العقلية والنفسية للبطل الفصامي العائش في ضلالاته الخاصة والناظر لنفسه باعتباره النظير المعاصر للنبي إرميا.

في بداية حواري معه، نفى يوسف رخا أن يكون هناك تكلف واصطناع في لغة "باولو"، حيث جاءته تلقائياً ولم يفكر فيها كثيراً كما كان الحال مع "الطغرى"، وأنه حين تخيَّل شخصية "باولو" كانت هذه اللغة جزءاً من الشخصية، إذ لم يتخيلها تكتب بمستوى لغوي مغاير.

·       لاحظت إصراراً ممن كتبوا عن الرواية على ربط لغتها بلغة المدونات وهو ما لا أتفق معه.

 

-        يوجد استدعاء للمدونات في الرواية لكن ليس بالضرورة للغة المدونات، استدعاء المدونات جاء بشكل أوسع.

 

·       الاستدعاء اللافت جاء على مستوى البناء.

 

-        وعلى مستوى اللغة بشكل ما.

 

·       لكن لغتك في باولو مُفكَّر بها كثيراً من وجهة نظري في حين أن لغة المدونات على العكس من ذلك كما أنها تلقائية أكثر؟

 

-        عندي تصور معين عن اللغة العربية مفاده وجود لغة ثالثة تختلف عن اللهجة كلهجة وعن الفصحى الحديثة التي عندما نفكر بها في تاريخنا نكتشف أنها شيء مصنوع جداً وليس عضوياً. هناك لغة كانت مستخدمة قبل النهضة في الكتابة، وأعتقد أن اللغة الثالثة هي ما ارتاح في استعماله بغض النظر عن فكرة السياق. هي الأكثر تعبيراً عن علاقتي باللغة العربية. ما كنت أقوله عن المدونات، أنه لم يكن هناك استدعاء مباشر للغتها ولا محاكاة لها، لكن فقط استدعاء لفكرة أن المدونات هي الأخرى لغة ثالثة بشكل أو بآخر. ليست عامية تماماً وليست فصحى، لكن طبعاً كانت هناك محاولة للوصول إلى شخصية مستقلة، وليس مجرد استدعاء عشوائي، بمعنى أن تكون اللغة لغة أدبية ولغة كتابة.

 

·       لكن ربط لغة باولو بلغة المدونات ينطوي على  تبسيط، كما أنه يدل على تجاهل أو عدم الانتباه لتعدد مستويات اللغة بها.

 

-        الموضوع ليس بهذه البساطة طبعاً. اندهشت من عدم الانتباه لتعدد مستويات اللغة. شيء غريب أن يكون هناك انتقاد للغة الرواية دون إشارة لهذه الجزئية ودون الالتفات للمواضع التي تحاكي لغة العهد القديم وعلاقتها برؤية باولو لعلاقته بالنبي إرميا. لكنني بشكل عام، لا أفهم حالات التشنج التي تحدث في ما يخص اللغة. لماذا لا يكون هناك أكثر من لغة؟ لماذا علينا أن نكتب كلنا بنفس اللغة؟ لماذا يغضب البعض من أن يكتب أحد بطريقة مختلفة أو بمستوى لغوي غير شائع؟ ممكن أفهم الاعتراض على التكلف مثلاً، لكن أكثر من هذا أرى أن هناك تشنجاً رجعياً من وجهة نظري. ليس رجعياً لأنه ضد العامية إنما رجعي في رؤيته أن اللغة العربية شيء واحد وأن علينا جميعاً الالتزام بها وأن جمالية العمل الأدبي وأدبيته تكمن في هذا الالتزام.

أظن أيضاً أننا كمجال أدبي معزولون انعزالاً نسبياً. هناك فذلكة، ليس بمعنى سلبي بالضرورة، لكن هناك درجة من التركيب تدفع الناس للتركيز مع أشياء غريبة. عندما يقرأ قارئ من خارج الدوائر الأدبية رواية مثل "باولو" لا ينتبه أصلاً إلى أن هناك شيئاً مختلفاً أو غريباً في ما يخص اللغة، وهذا هو المطمئن بالنسبة لي.

لا أدعي أنني أكتب بشكل عشوائي، لكن في "باولو" تحديداً لم يكن هناك مخطط للغة بهذا المنطق. مع الممارسة ومع قطع شوط في كتابة الكتاب بدأ التصور يتضح وأصبح هناك تعمد للمواصلة بأسلوب مشابه، لكنني فعلاً تخيلت "باولو" كشخص يكتب بهذه اللغة. المسألة لم تكن أنّي أحاول تحقيق هدف بعينه أو الاتجاه بالكتابة نحو منطقة بعينها مثلما يمكن القول عن "الطغرى" مثلاً.

 

·       ألا ترى أنه مهما تغيرت المستويات السردية في لغة ما تظل اللغة محاكاة لمستوى ما تم تغييبه أو حاضر بقوة أو مستخدم كلغة شارع؟ هل اللغة محكومة بأنها محاكاة طوال الوقت ودائماً ثمة مرجعية ما؟

 

-        في تصوري أن اللغة الأدبية محكومة بعلاقة ما بلغة الكلام ليس بإعادة إنتاج مباشر للغة الكلام، لكن يجب أن يكون هناك علاقة ما بلغة الكلام وإلا مات النص.

 

·       لكن طوال الوقت هناك تفرقة بين الكتابة والكلام كأن الكتابة قتل للكلام. لغة الكلام حيوية صاخبة، والكتابة موت لها، إذ تتسم بالسكون والصمت كأن الكتابة والكلام على طرفي نقيض.

 

-        يهيأ لي أن الكتابة عندما تكون فعالة يكون فيها روح الكلام وحيويته سواء انتبه الكاتب لهذا أم لا. حيوية اللغة يمكن أن تنبع من أماكن كثيرة، ومن الواضح أنها تأتي عندي من الصلة المباشرة بلغة الكلام. حتى عندما كتبت عن بيروت كانت هناك صلة مباشرة بلهجة بيروت وكذلك عندما كتبت عن تونس، لكن مثلاً أحمد يماني الذي أرى أن لغته حية جداً لا نجد أن حيويتها نابعة من صلة مباشرة بلغة الكلام. أقصد أن أحمد علاقته قوية جداً بالشارع لكن هذا غير واضح في لغته.

 

·       في نهاية الرواية عندما ينهار "باولو" ويعترف فعلاً يتكلم بعامية خالصة، هل مستويات اللغة السابقة كانت أقنعة يتخفى باولو خلفها؟ أو ما مبرر هذا الانتقال؟

 

-        أقنعة اللغة هي الحدوتة، هي المادة التي يموِّه بها باولو ما يحكيه، ومن أجل هذا يذهب إلى مناطق تختلف حسب الجزء الذي يحكيه. مثلاً مع الاستدعاءات من سفر إرميا يكون متقمصاً حالة النبوة، وفي الأجزاء الخاصة بالشخصية الإفرقية "متر" نجدها مرتبطة بحالة النبوة أيضاً، وهناك لغته حينما يكون تحت تأثير الحشيش ويستمع إلى الموسيقى، لكن ما أقصده أن كل هذه الحالات هي لغة تعكس حالة لها علاقة بالرواية.

 

·       سؤالي كان عن مدى ارتباط المستوى اللغوي الأخير بلحظة الاستسلام والاعتراف الكامل والنهائي تحديداً.

 

-        بمعنى ما خلال النص كله باولو بيعترف لضابط أو متخيل أنه يعترف لضابط.

 

·       هذا التخيل هو مفتاح الرواية.

 

-        نعم، لكن في هذه اللحظة هو فعلا يعترف لضابط. فاهمة قصدي؟ هذا ليس التأويل الوحيد طبعاً. في حدود تخيله بأنه يعترف بداخله جزء يعرف أنه لا يعترف بالفعل، وبالتالي توجد هذه المستويات من اللغة، لكن هناك لحظة تنتهي فيها علاقته بالواقع أو العكس.

 

·       تغير النظرة للثورة من "التماسيح" لـ"باولو" هل راجع لتغير نظرتك أنت لها أو لأن كل نظرة من النظرتين تعبر عن الشخصية الفنية التي تحكي لا أكثر؟

 

-        النظرة الموجودة في التماسيح أقرب لنظرتي الشخصية.

 

·       هذا ما أسأل عنه، هل الاختلاف ناتج عن اختلاف الشخصيتين؟ أم يقدم مرحلتين من مراحل رؤيتك لها؟

-        الشخصيتان طبعا ومن أول لحظة، ممكن تكون نظرتي اختلفت أيضا مع الوقت، لكن هذا ليس له علاقة بالتباين في النظرة من "التماسيح" إلى "باولو". من البداية تخيلت أن أبطال التماسيح الثلاثة كل واحد منهم سيحكي الثورة من وجهة نظره.

 

·       باولو يكتب رؤيته للثورة احتجاجاً على ما يراه من رؤية تبسيطية للنشطاء. هو يدين كون هذه الرؤية نقطة صافية جداً وسط محيط مهتز، لكنه يقع في المأزق نفسه بشكل معكوس. لو كان النشطاء والمتحمسون للثورة يرونها كحلم وردي فهو يراها ككابوس بالغ القتامة. ما رأيك؟

 

-        أكثر ما ضايقني أن البعض قرأ الرواية كمقال رأي واعتبروا أن رؤية بالو هي رؤيتي الخاصة. لو أحببت أن أكتب مقال رأي سوف أكتبه، وقد كتبت بالفعل مقالات أكثر إشكالية من الرؤية المقدمة في "باولو". لن أكتب رواية للاختباء خلفها. هناك مستويان في الرواية، المستوى الأول نوع من التحليل السياسي الذي قد أكون موافقاً عليه على مستوى ما، والمستوى الثاني نظرة أسطورية في اتجاه ذاهب إلى الفصام، لكن هناك أيضاً حالة يأس. ما قلته في حوار سابق أن شخصية باولو مجاز للحالة التي وصفتيها، أي بالعكس أرى أن الرؤية الرومانتيكية المبالغ في نقائها ومثاليتها هذه هي، في بعض الأحيان، باولو.

 

·       تقصد أنهما وجهان مختلفان لعملة واحدة؟

 

-        نعم، لو جسدتيها ستكون على هذا النحو.

 

·       باولو أيضا من المفترض أنه ضد الإسلاميين والإخوان المسلمين، لكن ما يحكيه هو نفسه قائم على تصور ديني بشكل ما، سواء عبر تناصه وتماهيه مع سِفر إرميا في العهد القديم أو عبر استدعائه لمعتقدات الماساي، فحتى فعل القتل ربطتُه بالأضحية عندهم كأن ما يقوم به مِنحة وليس جريمة. كأن باولو يحارب كل شيء بشيء من جنسه، يحارب الصورة الوردية بتقديم صورة كابوسية، وفي ما يخص الدين يقدم منظومة دينية بديلة، فهل كنت واعياً بهذا أثناء الكتابة؟

 

-        طبعاً، لكن ليس بقصدية تامة. جزئية الأضحية مُفكّر فيها، لكن فكرة أنه يحارب الإخوان بمنطقهم فيها كلام.

 

·       لكن منطقه، في العمق منه، منطق ديني.

 

-        أظن السبب يرجع إلى أن لحظة الثورة أو لحظة التحول التاريخي أشبه بتحقق رسالة. باولو يرى نفسه كرسول لديه رسالة لكن في اتجاه مختلف، وهذا ما فعله باختياره لإرميا وتماهيه معه.

·       يسلِّم مدينته؟

 

-        نعم يسلمها للعدو خوفاً من التنكيل بأهلها أكثر. باولو يرى نفسه ويقدمها هكذا.

 

·       باولو يهلوس طول الوقت حتى بخصوص هوية المُخاطَب الذي يوجه له اعترافاته. يبدأ بأنه يخاطب ضابط ثم يخاطب القط عتريس في مرحلة تالية، ثم "متر". أحببت حالة التهويمات والهلاوس هذه إذ أضفت عمقاً على الشخصية وضاعفت من مراوغات الرواية بحيث يوحي بأن الشخصيات أو معظمها وهمية، كأن "متر" و"وديع" مثلاً تشظيات فصامية لباولو.

 

-        وارد أيضاً، ممكن تكون اللحظة الوحيدة التي تكون فيها الأشياء واضحة 100% هي اللحظة التي يبدأ فيها الكلام مع الضابط كأنه جالس معه في الحجرة نفسها، ما يعني شيئاً من اثنين إما أنه يستسلم تماماً للجنون أو يعقل. وارد أن كل المدونة ليست مدونة وأن كل هذا يجري في عقله فقط.

 

·       في البداية لا يتضح بشكل مباشر أن الشخصية مختلة، ومع الوقت يتم تسريب هذا الإيحاء تدريجياً....

(يقاطعني ضاحكاً):

 

-        المسألة أكبر من مجرد خلل نفسي. الخلل النفسي يمكن أن نوصف أنا وأنتِ به، لكن باولو متجاوز هذا التوصيف بمراحل. ما يثير الاستغراب أن من انتقدوا الرواية قالوا يوسف واضح جداً بها والتشابهات بينه وبين باولو كبيرة. يوسف مَن الموجود في الرواية؟! يوسف غير موجود بـ"باولو" على الإطلاق.

 

·       يوسف هوايته تعذيب القطط!

 

-        يوسف لديه مشكلة مع حزب الله والإخوان المسلمين مثلاً وباولو لديه مشكلة مشابهة ولا يفرق بين الاثنين، فهل يعني هذا أن يوسف هو باولو؟! للأسف هناك قصور في التلقي. والغريب أن هذا القصور موجود أكثر عند من يفترض أن يكونوا مثقفين.

أصبح عندي إدراك بوجود مشكلة ضخمة، وهذا من تأثيرات الثورة عليّ، أقصد أنّي صرت أرى بوضوح أكبر، وبدأت أنظر لـ"النخبة" أو الجماعة التي من المفترض أنّي كنت أنتمي إليها بوضوح أكبر.

 

·       ألم تخف أن تُصنّف "التماسيح" ككتابة انتقام أو نميمة؟

 

-        لكنها ليست كذلك على الإطلاق.

 

·       لكنها تعطي انطباعاً بهذا فهناك تشابهات بين شخصيات العمل وشخصيات حقيقية.

 

-        هذا مقصود طبعاً. مقصود الإيهام بتشابهات كجزء من لعبة الكتابة، لكن فعلاً لا توجد قصة أو شخصية واحدة لها أصل محدد في الواقع. قد تكون كتابة انتقام بمعنى ما، لكن أتمنى ألا يكون هذا بالمعنى التافه أو بما يقلل من قيمتها.

 

·       أظن أن ما يحمي من هذا أن هناك انتقاماً من الذات أيضاً ومن التجربة الشخصية.

 

-        آه، الكلام عن المثقف المصري وليس عن شخص بعينه. لا توجد نميمة، والشخصيات الست الرئيسية لا أحد فيها مستوحى من شخصية حقيقية. لكن أعجبني ما قلتيه من أنني فجرت نفسي في جيل التسعينيات، لأنني شعرت بأن هذا ما حدث فعلاً، لكن ليس في جيل التسعينيات فقط، بل في الوسط الأدبي المصري كله. وأنا أكتب "التماسيح" أحسست أنني أقطع صلتي مع الجميع، أو أقول رؤيتي وليحدث ما يحدث. كنت قد رأيت من الزيف ما يكفي. أنتِ شخصياً علاقتكِ بالوسط الأدبي محدودة. بعد فترة يصاب المرء بالنفور ويكون مستعداً للتضحية باحتفاءات ومكاسب محتملة كي لا يشارك في كل هذا الزيف. للأسف القابلية على الحكم المسبق هائلة، وكذلك القابلية على نفي الخارجين على الرأي العام وإقصائهم خارج "القبيلة".

 نُشِر الحوار في أخبار الأدب؛ فبراير 2017.

Thursday, July 1, 2021

The Sea Circle


 

 


 

Mansoura Ez-Eldin

 

My brown bangs hung loosely on my forehead, they chose to be curly for the day.

It was a sunny day, I was five years old and feeling confident in my brand new, dark olive dress that looked like a caftan. Back then, caftans were quite trendy; a trend that reached us in the countryside nearly a decade too late. The dress was decorated with a golden print of grape leaves, and I remember feeling exhilarated about showing up to my youngest uncle’s wedding in it. Upon recalling the memory, I can still see bits and pieces of the picturesque landscape, with its vibrant colors and the turquoise sea that would guard our way to Alexandria; a city that emerges from the corridors of ancient history, no less. At the time, I knew nothing about history, but my mind was overflowing with myths, folk tales and all kinds of fairytales, something I can only thank my grandparents for.

 

Alexandria was the first real city I was about to see; in my mind it was a mythical land where the Mediterranean exists. My memory wants me to believe that when inside our rented car–a seven passenger Peugeot- it seemed as if we were surrounded by water on three sides; right, left and in front of us, in the faraway distance, the clear, blue liquid was sparkling like a mirage, even though, anyone who has travelled the road from the Nile Delta to Alexandria knows that these images aren’t what you’d see.

 

I had never been in a moving vehicle for such a long period of time, so naturally, I felt sick. My father ordered the driver to stop for a while. He hugged me as I vomited on the side of the road. I felt tiny and swamped by my embarrassment, especially when I noticed a café by the sea where a bunch of people were chatting and laughing, though thankfully, without taking notice of us.

 

They resembled the men and women I would always see on television; educated, elegant creatures who were out of my league, as if they were inhabiting a movie or more precisely, a photograph.

 

The driver brought a bottle of water and my father helped me wash my mouth and face. We all returned to the car where I was tucked under the warm arm of my dad who was oblivious to the fact that I was engrossed in watching the unconcerned, lighthearted people who were having fun by the sea.

 

A few years later, my mum planted seeds of doubt in my head about this memory. She was positive I didn’t attend that wedding, that my father went with my uncles and my grandma while I stayed with her at home. I was about to say that maybe this memory was of another visit to Alexandria that included me, but she added that I had never been there nor had I seen the Mediterranean before.

 

She wouldn’t change her mind even when I confronted her with an old photo in which I was sitting on my father’s lap, wearing my dark olive dress and my curly bangs. Everything about that picture - the only one I had of myself from my early years - suggested that we were at a wedding or at least a party, but she insisted that the photo must’ve been taken on another occasion, but definitely not at my younger uncle’s wedding.

 

The picture was not solid proof in my mother’s eyes and my memory about the cheerful, urbane people sitting in the café and of our journey in a rented car gradually began to fade, so I opted to believe her.

 

She told me once that I was beautiful and intelligent, but my mind was full of senseless thoughts and ghosts! She believed I had so much potential that was constantly wasted on all my absurdity.

 

"Your memory doesn't remember things, it invents them. You have a lying, deceitful memory and this could be a curse!" she added in her usual melodramatic way.

 

I think I would’ve cried if it weren’t for the comforting voice of my astute grandpa as he replied to her: “or a blessing.”

 

Was I cursed or blessed with such a highly volatile memory? I could never tell, but I trusted my grandpa, even with him constantly making up unbelievable tales just to entertain me. His most interesting, yet farfetched ones, were related to water: The Nile mostly and the Mediterranean occasionally. The Red Sea hardly made an appearance in his fabrications, even though he had lived in Suez for a short time.

 

“The best years of my life,” He would say with a nostalgia-soaked voice every time he mentioned his days as a young man in that city, though never referring to the Red Sea. He would occasionally refer to it in other contexts but without calling it by its known name. Instead he would call it "Al Mallih"; which means The Salty, as if it was the only salty sea in the world.

 

He disclosed to me once that he worked in a minor job with a group of British people, but he never revealed any further details about the nature of that job nor about those people. His secrecy encouraged my imagination to envision thrilling scenarios about his past. For some mysterious reason, I was tempted to link those British people to the vibrant group by the sea, the group I remembered so hazily, it felt as though they had never really existed. I’d always wonder whether some forgotten photo had inspired me to invent those laughing, chatting men and women, in the hopes of making sense of the memory. I searched in vain for such a photo.  Instead, I had a framed picture of my younger uncle and his bride standing side by side at their Alexandrian wedding. The picture hung on the wall above my bed, and never failed to make me feel uncomfortable, it felt as though it was there just to taunt me. The young bride was beautiful with her wide smile and raven black hair, but her arrogant eyes made her seem untrustworthy. I would try to convince myself that her wedding dress was the reason behind my odd feeling towards her; that it was not simple enough, decorated with too many white silky roses and with multiple layers, that made the couple seem artificial and untouchable to me. At the time, I refused to admit to myself, that the origin of my discomfort was the art of photography itself. One day, I was playing and bouncing around on the bed and the huge framed picture, in all of its pompous glory, fell on my head, giving me a slight concussion. It felt as though Photography had a soul that had decided to haunt me. Or perhaps the spirit of the young married couple’s wedding was unsatisfied with its disposable place in my memory and decided to assert a more permanent location where it knew nothing could make it leave, not my mother’s skepticism, not even my own desperation.

 


As a child, I had hated being photographed. Actually, hatred is an understatement; it was more of a phobia. My maternal family was obsessed with photography. Almost every day, they practiced a sort of holy ritual; after finishing their daily tasks, they would put on their best clothes and gather to have a group picture taken. It was always the same: my grandparents sitting in the middle surrounded by their four sons, three daughters and many grandsons and granddaughters, everyone except for their prodigal, weird little granddaughter, who used to panic every time they tried to include her in their staged routine.

 

My complicated relationship with photography as a kid was a puzzle to those around me. I couldn’t really explain to them why or how much photos terrified me. I spent a lot of time staring at pictures that turned people I knew and lived with into silent, immoveable copies of themselves. They seemed unreal, daunting. So, to protect myself from becoming another ominous mummy, frozen out of the river of time, I would scream and run away whenever they invited me to join them in their sacred ritual. I remember running all the way down a dusty road that leads to the Nile, where I would stay alone staring at the water like a sad Narcissus until my family had finished their photo session.

 

The Nile was a sort of haven to me, my most pleasurable times were spent on its banks. My grandpa owned a banana plantation by the river, beside it stood a tiny forest of Eucalyptus where the kids of the family loved to play and kill time. Every year at Sham Al- Naseem feast (spring feast) we had company; a group of Copts would spend the feast quite near to the clearing in the middle of the Eucalyptus forest. I would watch them, fascinated by the way they enjoyed themselves, by their liveliness and simple bliss. I was invisible to them. They were technically trespassing on my grandfather’s plantation, yet, they seemed confident compared to my timidity and caution. Ironically enough, they seemed unreal as well, as if my stalking was able to turn them into a mere object of spectacle. That’s probably the reason why they’ve always reminded me of the urbane group in the vague memory of my so-called visit to Alexandria.

 

My first definite encounter with the sea came around rather late. I was 27 years old when for the first time I saw the Mediterranean in Alexandria, and stood on the beach carrying my one-year-old daughter. In addition to my vivid memory of it, I also have unquestionable proof this time; a photo of myself wearing a printed blouse, looking and feeling confident next to my husband while hugging my little angel, unaware of any potential stalkers.

 

Fourteen years later I sat on the other side of the Mediterranean, to be precise in the south of France with a group of fellow writers. We were talking loudly and casually making fun of ourselves when I noticed a bambi-eyed, blonde little girl watching us in admiration from afar. None of my companions seemed to be aware of her presence and I pretended not to be either. However, I couldn’t help but let myself wonder if she was seeing the Mediterranean for the first time, and if so, I’d love to imagine that we’d still be alive in her memory nearly four decades later.