Monday, March 31, 2014

قراءة في البنيات القصصية عند منصورة عز الدين



د. محمد الشحات




أثارت الرواية الأخيرة للكاتبة المصرية منصورة عز الدين «وراء الفردوس» في نفسي سؤالا بعينه مؤدّاه: ما الفارق بين الواقع (أو الحقيقة ) والتصوّر ؟ ويتبع هذا السؤال عدد من التساؤلات الأخرى من قبيل: ما صورة «الفردوس» كما ترسمه رواية منصورة عز الدين؟ وما العلاقة بين «الفردوس/الجنّة» و»الحديقة» و»البيت القديم»؟ وهل يمكن إعادة صياغة التاريخ الجمعي للعائلة والطبقة، ومن ثم المجتمع ككل، من خلال التاريخ الفردي للأشخاص؟
لن يجيب عن هذه التساؤلات إلا المرور على بعض التيمات والبنيات القصصية والرموز التي امتلأ بها كتابا منصورة عز الدين السابقين: «ضوء مهتزّ» (مجموعة قصصية) و»متاهة مريم» (رواية).

-          رموز وأحلام

«إن لا وعي الحالِم هو بيت بالنسبة إلي الحالِم- جاستون باشلار».
تلجأ قصص مجموعة منصورة عز الدين الأولى (ضوء مهتز) إلى الأحلام، بوصفها فعلاً منتجًا للسرد وموجِّهًا لحركته، كما في قصتها الأولى «فتاة فبراير»: «صارت البنت تزورني في الأحلام» (ص٩). وهنا، تصبح ياسمين ـ فتاة فبراير هي الصورة الأولى (القديمة) للراوية في بلدتها، حين كانت تحفظ أغاني الجدة وتزحف على عروق تكعيبة العنب لتقطف عناقيده لأصدقائها وترميها لهم فيلتقطونها. ويتأرجح بناء القصة بين ياسمين القديمة، والراوية التي تسترجع ـ هنا والآن ـ ذكرياتها، حتى عن ذلك الولد الذي أحبها وكان يشبه أباها، وأهداها زهرة جلاديولس حمراء، بينما هي تمارس عاداتها حين تذهب إلى عملها متأخرة تعدّ الوجوه التي تساقطت منها في الطرقات (طرقات الذاكرة البعيدة وطرقات المدينة ـ المتاهة «دون أن تذرف دمعة واحدة» (ص١١): هكذا، تصبح ياسمين كما يصفها السرد «بنت موت» وكما أخبرت الجدةُ الأمَّ بذلك (ص٢١)، حيث تتحول ياسمين إلى محض صورة في مخيلة الراوية هنا والآن عن تلك الفتاة التي كانت تخرج ـ مع فبراير من كل عام ـ من خميلة أشجار الخوخ الوردية، «تخرج بفستانها الأبيض وتاج من الياسمين فوق شعرها الأشقر المتماوج مع نسمات الفجر» (ص21).
هذا الحلم بياسمين يشبه حلمًا آخر، بقتل الولد الذي أحبّته الراوية في مقهى قديم، ويداها ملطّختان بالدماء، بينما رجال يرتدون السواد يرمقونها بكراهية، فيما تتابع عيناها بلا أي تعبير (ص٨١). هذه الراوية التي تبدو مصابة «بالفُصَام» تستطيع وصف نفسها وسلوكها ـ ولا وعيها أيضًا ـ بدقة متناهية تقنعنا، لا لشيء، إلا لأننا ندور في مدار سردي يخضع لمنطق الأحلام حيث يتداخل- أو يتطابق - الذات والموضوع: الواصف والموصوف، أو الراوي والمروي عنه.
ونظرًا لتردّد دال «الحلم»، يتردد أيضًا اسم البيت بصيغة المتكلم الجمعي «بيتنا» (انظر: «فتاة فبراير»، ص١١)، بكل ما تحمله الكلمة من دلالات الألفة، والدفء القديم، والالتفَاف حول الجدة وحول مصباحها (المهتز.. ربما!)، بحيث يصبح فعل السرد فعلاً للبوح والكاشفة، والرغبة في مساءلة الذات عن الماضي والمستقبل، عن الأحلام والتحقّقات، ولتصبح ياسمين من وراء كل ذلك هي «أنا» الراوية العميقة، أو هي صورة «المؤلف الضمني» الذي يكمن خلف فعل كتابة هذا النص بأكمله، الأمر الذي يبرّر إهداء هذه المجموعة القصصية ككل إليها: «إلى البنت الصغيرة ياسمين التي فتحت عيني على مأزق الوجود» (ص٥).

- مصباح الحكاية: ضوء وظلال:

«تدعونا الشعلة للنظر لأول مرة: فنكوِّن منها ألف ذكرى، ونحلم بها كلها في شخصيةِ ذاكرةٍ قديمةٍ جدًا، والحالِم يعيش في ماضٍ لم يعد ماضيه وحده، يعيش في ماضي نيران العالم الأوّلي- باشلار».
في ماضي نيران العالم الأوّلي، إذن، يعيش الحالِم، أو تحكي الراوية، هنا، بجوار مصباح جدّتها، عن عالمها الطفولي القديم، وعن علاقتها بالألوان ومدى ترددها في فضاء السرد، ومدى تأثيرها وفاعليتها: الأحمر، الأصفر، الأبيض، الأزرق، الأخضر، ... إلخ. إننا ندور في فلك الأحلام، بكل ما تتضمنه من رحابة العالم، بهدوئه وتمرده، بصفائه وصخبه، يتصدر المشهد القصصي «الألوان النارية»، حيث نيران العالم الأوّلي، ونيران شعلة الحكي الأولي. أو شعلة مصباح الجدة (الأحمر، الأصفر، الأزرق، الأبيض)، حيث تتصاعد رغبة الراوية في رؤية الدماء المهراقة، وزهور الجلاديولس الحمراء بلون الدم، والأزرق الذي يكسو الوجوه إثر الموت، والأصفر الذي يتسم بالذبول وانسحاب الحياة وشحوبها، تمامًا كما انسحب «بطرس [كـوجه غائم بعيد» (ص٩٣). وبطرس نفسه تمثيل لتلك الغواية بالحكايات؛ إذ أغوته الجنّيات وهو ابن السابعة عشرة من عمره حتى أغرقته في مياه النيل، وصار حديثًا للجدّات والعجائز، لمّا بدأ عفريته بالتجول في الأراضي الزراعية المحيطة بالنهر بعد سنة من غرقه، حيث كان يظهر للجدّ «بشحمه ولحمه يقرأ في كتاب الكيمياء» (ص٠٤): وجه بطرس، إذن، ذو ضوء وظلال؛ ضوء لمصباح الجدة، وظلال للذاكرة القديمة جدًا.
في ماضي نيران العالم الأوّلي، إذن، يعيش الحالِم قلقًا ومطمئنًا. أما نحن قرّاء هذا العالم الحلمي فما لنا سوى «الشعلة التي تجبرنا على التخيل»، وتدفعنا إلى انفتاح أفق ذاكرتنا، لنستقبل عذابات الجسد وابتهاجاته: فجسد الراوية ذات الندبة المشابهة لندبة رجل الكونتر يتألّم، ويتحول صوتها إلى مواء شجي (ص٥٢) قد يشبه تمامًا فعل رجل الكونتر ـ فيما بعد ـ حين يُعْمِل سكّينه ليقوم بتطهير جسدها من نتوءاته. وكأن الفضاء الحلمي الرحب يستقطب الواقع ويمزج الحقيقي بالمتخيل، ويصوغ منهما معًا قانونًا واحدًا هو «قانون الحالِم»، حيث الأمكنة تتقاطع، والأزمنة تتداخل أو تلتقي عند نقطة ما، والذات تنفصل عن جوهرها لتدرك نفسها، والشخصيات تتشابه وتتحول، ثم تسقط الأسماء والعلامات.

- خيال وذاكرة بعيدة:

«حين نحكي عن الأشجار والأزهار، نستطيع القول كيف يحييها الشعراء حياةً مفعمةً، حياةً شعرية بخَيلَة ألسنة اللّهب- باشلار».
وبما أن السرد يخضع لمنطق الحلم، وينبني على قانونه، فثمة تأكيد ـ عبر قصص المجموعة الاثنتي عشرة ـ على قيمة «الخيال» وأثر فعل المخيلة، وكم أن الحياة [حياة الراوية، فتاة فبراير أو ياسمين، وحياتنا نحن أيضًا ملأى باستعارات كنا ـ ولا نزال ـ نحيا بها، ومن أجلها نكتسب وجودنا. فالاستعارة ـ أو المجاز بصفة عامة ـ مدخل لقراءة العالم الرحب، حيث يتداخل الحقيقي والغرائبي وتتماهي الحدود بين الوعي واللاوعي: فشَعْر «فتاة فبراير» يصبح براعم خضراء وسيقان زهور برية ملوّنة، بينما صراخها يتعالى لتستيقظ في فضاء حجرة مظلمة وتنخرط في البكاء (ص٩).
تعمل هذه المخيلة نفسها على دفع كل ما هو حقيقي ـ أو ما نستقبله بوصفه كذلك ـ إلى نطاق الخيالي، الاستعاري والمفارق، حتى إن فعل القتل نفسه [قتل الراوية في قصة «زهرة جلاديولس حمراء» لفتاة تشبهها تمامًا كأنها هي هي (ص٤١)يصبح فعلاً مجازيا، وكأننا جميعًا ـ حين نتوحّد مع الراوية ـ نتطهّر من ذواتنا الأولى القديمة، رغبةً منا في التحرر أو الخلاص أو حتى العبث بالذاكرة البعيدة.
وقد تشبه حركة هذه الذاكرة حركة الكاميرا في آلية اقترابها من المشهد المرئي أو في ابتعادها عنه، فوجه بطرس الغائم والبعيد يقترب من الفضاء المضيء لذاكرة الراوية في بداية القصة، ويتبعد باتجاه المساحات المظلمة، في قاع الذاكرة عند نهاية القصة نفسها، الأمر الذي يجعل الراوية تتشكّك عند إغلاقها باب السرد من أنه «كان ثمة وجه غائم قديم يلوح أمامي لولد غالبًا كان اسمه بطرس...» (ص٣٤).
يرتبط مثل هذا الحضور لفعل الذاكرة، في مجموعة (ضوء مهتز)، بحضور موازٍ لفعل السرد، والوعي بفعل الكتابة أيضًا؛ فذاكرة الراوية مكتظة بالمشاهد والصور القديمة التي تلحّ على كتابتها، وتسعي إلى الخروج من أسر الظلام الصامت إلى فضاء المصباح المضيء (مصباح الجدة صاحبة الحكايات المثيرة والغرائبية، ومصباح الوعي المتمرد ضد الصمت والسكون): «فلا الولد الذي اعتاد أن يسير وحيدًا ولا الولد الذي قرّر أن مع المسيح أفضل جداً ولا صديقتي التي اعتدتُ سماعها تقرأ له الفاتحة قبل نومها رضوا أن يدعوني لنفسي» (خطوط باهتة، ص٦٤).

-          ليل وسرد:

«مع المصباح ندخل في محراب الحالومية المسائية في منازل الماضي، المنازل الضائعة، المسكونة بكل وفاءٍ في أحلامنا. حيثما ساد مصباح، إنما تسود الذكرى-باشلار».

لعل ما يهيمن على هذه المجموعة من تقنيات سردية هو «السرد من وجهة نظر طفلة» غالبًا، هي ياسمين أو فتاة فبراير، هي بنت التاسعة أو العاشرة من عمرها على أكثر تقدير. ومع ذلك، قد يصبح الراوي ولدًا في بعض القصص أو هو الشقّ الذكوري في الراوي الذي تتحاشى عيناه «أبلة أمل» العانس ابنة مدام چين التي تسكن الطابق العلوي، التي تستلب قدرة الولد/ الذكر لتضيء خيالها ـ وشبقها ـ الأنثوي المظلم بفعل العنوسة: (دوار، ص٧٥).
ثمة حضور أثير للعجائز في فعل السرد، في هذه المجموعة، فالجد أو الجدة لهم الحضور الأكبر في تشكيل ذاكرة الراوية، والجدة غالبًا ما تحذّر أحفادها ـ ومن بينهم الراوية ـ عن مخالفتها وإلا كان مصيرهم كمصير الرجل «باصق التبغ» الذي كان يعمل سائقًا لعربة نقل البضائع وأدمن الخمر في غرزة كان يتلكأ في المرور عليها، يجالس عجوزًا آخر، يدخّنان الحشيش والأفيون، فانتقم منه الرب بأن أوحى إليه بوضع شفرة حادّة أسفل وسادته كانت وسيلة لانتحاره في النهاية؛ إذ قطع وريده بشفرته (باصق التبغ، ص٢٦: ٣٦).
واللافت للنظر هو اعتماد هذه الحكايات غالبًا اللحظات الليلية زمنًا للسرد وزمنًا لحكايات الجدة. من هنا، يوجد السرد ـ بفعل وجهة نظر الأطفال ـ عالمًا غرائبيا يحوي الجانّ والأشباح، يحوي «أم قويق» التي تسكن الشجر ليلاً وتصرخ رغبةً في رؤية الدماء (عيون تحدق في الفراغ، ص2). فضلاً عن ذلك، ثمة تحولات وامتساحات يوجدها خيال الأطفال المروي عليهم من قبل الجدة ـ مستودع الحكايات: فمن يأكل ثمار البرقوق ـ مثلاً ـ بعد أن تسقط من الهدهد «يتحول لبومة تنعق في الليالي الخالية من القمر» (برج حمام، ص٨٤).
- متاهة مريم:
في نص منصورة عز الدين الثاني، أو روايتها (متاهة مريم)، لن تنال إلا على قدر «سعيك»؛ لأنه نصّ قد شُيِّد على التمنّع لا التمتّع، المراوغة لا المباشرة، «الأثر» النيتشوي لا الفعل الأرسطي، الشيطنة لا النبوّة، المتاهة لا الصّراط المستقيم. هو، باختصار، نصّ ينبني على فكرة «اللعنة» المتوارَثة في أسرة التاجي («وإنّ عليك [عليكم لعنتي إلى يوم الدّين»)، بدءا بالتاجي الأكبر نفسه، مرورا بزوجته الأولى: «صوفيا» (ابنة تاجر القماش الألباني ، وأمّ يوسف التي كانت تجري وحدها وراء «حكمة» ما تطاردها وتعرف أنها ستصل إليها) وزوجته الثانية: «زينب» المرأة الساكنة التي لا تغادر موقعها في البيت منذ أن دخلته محمَّلةً بإرث عائلة عظيمة النفوذ فانبهرت بالتاجي وذابت شخصيتها في شخصه وأسلوب حياته، والابن «يوسف» التاجي أو «رجل الغموض»- كما كانت تسمّيه مريم- أو الصيدلي الأنيق، وزوجته «نرجس» (أمّ مريم) التي كانت تعشق ذاتها وتتعامل مع جسدها بتبتّل صوفي وقدسية متناهية، ومحبوبته «كوثر» النصف الآخر ليوسف ونقيض نرجس في تذمّرها وطلباتها التي لا تنتهي، ثم العمّ «صالح» والد نرجس المغرم بالجنازات، والخادمة «نور» خادمة صوفيا وكاتمة أسرار يوسف. وأخيرا أصدقاء مريم: «رضوى» زميلتها في الحجرة التي كانت تسكنها ببيت المغتربات، و»يحيى الجندي» الصحفي الذي أحبّته وتعلّقت به لكنه تركها في نهاية المطاف مع فتاة أخرى، و»إديث» صديقة الطفولة التي جذبت الولد الصغير الذي كان يغازل مريم أيام المراهقة لكنه هرب مع إديث فلم تستطع مريم مواجهة عم ملاك كأنها المسؤولة عمّا حدث لابنته. وأخيرا «النمر» الرجل ذو الشراسة البادية والصوت الأجش مورّد الحشيش والأفيون ليوسف ذي الذراع المبتورة، أو هو باختصار صاحب التاريخ الموصوم بالدماء منذ علا مدّ هذه الأسرة التاجية. بل لعله يمكن القول إن تاريخ عائلة التاجي تتفجّر منه أنهار من الدماء منذ أن دهست عجلات عربة التاجي جسد أحد الخدم وكوّنت الدماء ما يشبه بحيرة دموية صغيرة لم تمّح آثارها لسنوات طويلة (ص: 19). أما مريم ذاتها سرّة هذا العالم الروائي ومركز هذه الأسرة التاجية غير الناجية أبدا أو «المرأة الورطة»- كما وصفها يحيى ذات مرة- فتنال النصيب الأكبر من لعنة بيت الجدّ المسحور (الجنّة/ الجحيم).
أما «المعنى» بألف لام التعريف الذي قد تبتغيه أيها القارئ، في روايتها هذه أو حتى في باقي نصوصها، وتسعى جاهدا إلى تحصيله وبلوغه، من وراء هذه الشبكة من الشخصيات، كما يسعى إليه كل «قارئ/ مُريد» فلا يزال ماثلا حتى يومٍ معلومٍ في بطن كل «نص/ متاهة»، وما أنت ببالغه ؟!. وما أدراك؟ ثم ما أدراك ما بطون أمثال هذه النصوص/ المتاهات التي قضى أصحابها وقتا وهم منكبّون على تجويدها وحفر سراديبها وتنصيب «شواهدها» للطائفين والقائمين ؟! واعلم أنْ سوف تجد عند كل «موضع/ شعيرة» أو علامة نصيّة هنا أو هناك أفواجا من أرباب التأويل وحجيج المعنى وقد أتوا من كل فجّ عميقٍ ليقيموا دعائم لهم وليشهدوا مواضعَ لهم وليطّوّفوا بـ «المعنى الكبير».
تبدأ رواية (متاهة مريم)- وتنتهي أيضا- في مشاهدها التسعة القصيرة مع التاجي الجدّ صاحب السرايا التي تكتسب مع توالي الدفقات السردية صبغة غرائبية واضحة منذ أن أعلن الراوي كلّي المعرفة والوجود عن أن التاجي قد أقام سراياه (مملكته/ جنّته الأرضية)- ذات القباب والواجهات الرخامية والسراديب والدهاليز والقاعات الواسعة والشبابيك ذات الزجاج الملوّن والمحاطة بأسوار قصيرة يعلوها درابزين يحمل شجيرات ياسمين تحيط المكان كله بعبقٍ مدهشٍ كان السبب في موت التاجي- على أرضٍ تحتفظ بـ(ما) عليها من أشياء وجمادات ونباتات وحيوانات وطيور أطول فترة ممكنة وتسعى إلى أن تضفي عليها صفة البقاء والخلود. أما (مَنْ) فوقها من البشر فسرعان ما تصيبهم لعنات «المتاهة» والجنون والفناء كأنه قد كّتِبَ على قوم التاجي جميعا أو قوم ابنه يوسف «التّيه» في أرضه (جنّته وجحيمه) مثلما كان تيه بني إسرائيل قوم موسى. كان التاجي- ظلّ الربّ على الأرض- «لعنة تسير على قدمين» (ص:33).
هكذا تخلق (متاهة مريم) فضاء إشاريا يحيل إلى منظومة من العلامات ذات الصبغة الدينية (الإسلامية/ المسيحية)، علامات تبدأ ولا تنتهي بالأسماء (مريم، يوسف، يحيى، كوثر، صوفيا،صالح، زينب، نور، رضوى، ...). وليست فكرة اللعنة أو الجنّة/ الجحيم، في هذا السياق، بعيدة بحال عما تنهض به «رمزيّة الطائر» ( مَلَك في صورة هدهد، بوم لا يكفّ عن النعيق المتواصل متعطّش للدماء، بلابل وعصافير وطيور سرقت الحياة من مُلاّك المكان، ...)، من إذكاء لدلالات الغرائبي وتفجير لطاقات ما وراء الطبيعي، حتى وإن كان هذا الغرائبي عنيفا يتّكئ على مرتكزات واقعية عميقة مصدرها أزمة وجودية تعانيها الذوات الروائية وسط عالم يبعث على الجنون.

****

احتفاء نصوص منصورة عز الدين القصصية بإذكاء دلالات الغرائبي وتفجير طاقات ما وراء الطبيعي إنما يتّكئ في بنيته العميقة على مرتكزات واقعية مصدرها أزمة وجودية تعانيها الذوات الروائية وسط عالم يبعث على الجنون والتّيه. وهو أمر سوف يلحظه القارئ المتابع لروايتها الأخيرة «وراء الفردوس».
ينهض بمهمة السرد في مروية آل التاجي، أقصد إلى روايتها «متاهة مريم»، راوٍ كلّي المعرفة والوجود، لكنه راوٍ يأخذ منحيين متمايزين. يتمثّل أولهما في المقاطع التي تستهل مدوّنة التاجي وتتصدّر كل مشهد من مشاهد المروية التسعة بخط طباعي مميز يحكي عن إرث التاجي من منظور سردي متعالٍ يقوم بوظيفتين جماليتين وثقافيتين في آن: أولاهما توالد السرد من رحم الماضي الكامن في ذاكرة مريم واستعانة الراوي بلغة تعتمد الأفعال المبنية للمجهول (يُحكى أن، يُقال إن، ..) كأنه ينسب فعل الحكي إلى آخرين مجهولين، الأمر الذي قد يحيل الرواية إلى ما يشبه مدوّنة تاريخية شفاهية. وثانيتهما: إيجاد عالم غرائبي مركزه سرايا التاجي بما تنطوي عليه- و بما تثيره في الوقت ذاته- من أحداث عجيبة توجد عالما من الأشباح والمَرَدَة و»القُرَناء» الذين يتابعون الشخوص أينما حلّوا أو ارتحلوا. وهو أمر يذكّرنا بقصة «أرواح شرّيرة» لهنري جيمس الكاتب الأمريكي المعروف (1843-1916)، وهي قصة يطارد فيها شبحا «كوينت الخادم» و«الآنسة جيزيل الخادمة» الأخوين «فلورا» و«مايلز» اللذين يقضيان إحدى الإجازات مع خادمة البيت في أحد المنازل النائية، وتدور الأحداث في جو بوليسي مثير (انظر ص: 67).
فـ»القرين» هو النمط الثقافي الاجتماعي الذي تشتغل عليه الرواية وتجعل منه محرّكا ودافعا للأحداث وبانيا أهم قيمها، أقصد مفهوم «الازدواج» الذي يغلّف الشخصيات ويجعل لكل منها وجهين: أصل وصورة، وعي ولاوعي، أنا وقرين. أما ثاني المنحيين اللذين يتخذهما راوي المدوّنة فهو اقترابه الشديد من الشخصيات في مواضع كثيرة لكنه في أغلب الأحوال يتبنّى وجهة نظر مريم التي يتطابق معها زمانا ومكانا وترتبط حركته بها وبـ»قرينتها» دون أن يعرّيها أمامنا تماما مثلما فعل مع باقي أفراد أسرة التاجي الملعونة، على الرغم من كون المتاهة هي متاهة مريم بصفة خاصة قبل أن تغدو متاهة الآخرين. ولعل ما يحدّد «هنا- الآن» في المروية ويفضّ هذا الإشكال بين الغرائبي (أو: الحلمي) والحقيقي (ما يحدث في حاضر الرواية حيث رحلة مريم للبحث عن حقيقة يحيى ورضوى بجوار بيت المغتربات أو شقة عابدين أو حركتها في شوارع المدينة أو وسط البلد) هو تتبّع تلك المقاطع التي يرد فيها ذكر علاقة مريم بيحيى ورضوى في فضاء المدينة التي جاءت إليها من قريتها لتقيم بأحد بيوت المغتربات (ص: 9-18، 65-66، 69-75).
يمثّل بيت التاجي، بالنسبة إلى مريم تحديدا، صورة البيت القديم (وهي صورة موجودة في مجموعة منصورة عز الدين السابقة «ضوء مهتزّ») أو هو المكان بامتياز الذي تشكَّلت فيه الذاكرة والوعي فيه، وبه وحوله، الأحلام. وبعيدا عن هذا العالم يكون المنْفَى والاغتراب والقطيعة وفقدان الحميمية وبَتْر كل وشائج القربى. ومن هذه الزاوية ينهض بيت التاجي بما ينهض به مفهوم «الطلل- الأندلس» عند كتّاب المنْفَى مثلا. وربما لن نتمكن من فهم طبيعة هذا الامتياز الذي يمثّل المكان العربي في أصْفَى مجاليه دون التذكير بالطبيعة الفردية للأول والطبيعة الجمعية للثاني. فـ«الطلل» علاقة مربعة يمثل الإنسان ضلعها الأول والمكان نفسه ضلعها الثاني والزمن ضلعها الثالث والذّكرى ضلعها الرابع. أما «الأندلس» ففيها علامات التجربة الأولى ذات الخصوصية الجمعية التي تمثل الذاكرة التاريخية والوجودية لكل حاملي الثقافة ومٌنْتِجيها، حيث لحظة العيش في الأندلس تشبه الإقامة في التاريخ ولحظة الخروج منها تشبه نوعا من العيش في المنْفَى. هكذا كانت مملكة التاجي على أرض الواقع أندلس مريم وجحيمها. فـ(متاهة مريم) تنتمي إلى ذلك النوع من النصوص الذي يؤكد أن «هناك أماكن إقامة عدة في حياتنا تتخلّلها وتحتفظ بكنوز الأيام الخالية». لذلك، يصبح الحلم أو «سردية الحلم» وسيلة أثيرة لدى الذات الراوية والمرويّ عنها (مريم) من أجل فهم أعمق تناقضات هذا العالم والتنبّؤ أيضا- أو الحدس أحيانا- بما سوف يقع على هذه الأرض التي تثير الغريب والعجيب والمفارق. فـ«الحالِم حاضر دوما في منامه الخاص» مثلما:
«تسير مريم في شوارع المدينة كالمنوَّمة لا تدري هل هي في عالم حقيقي أم لا؟ كل الأشياء صارت بعيدة عنها، موغلة في تنائيها لدرجة مرعبة. الأشخاص الذين كانوا جزءا من حياتها تحوّلوا إلى مجرد أشباح تزورها من آن لآخر ثم تغادرها فجأة تاركة إياها لدوّامات من الحيرة والجنون دون أدنى شفقة « (ص: 65).
اللافت للنظر أن يصبح الحلم بنية دالّة من بين البنى التي ينهض عليها وعي مريم وأمها نرجس بالعالم. لكنّ أهم ما تجسّده أحلام مريم ونرجس هو «الانهمام»- بلغة ميشيل فوكو- بهذا الجسد الأنثوي إلى درجة تدنو به من القدسية (ص: 9، 43-45، 71، 82-83، 100) مع الحرص في الوقت ذاته على بقاء -ونقاء- «البتولة أو العذرية». من هنا، من مركزية « الجسد الجميل» بوصفه مادة للاشتهاء وبوصفه «سلطة» في الوقت ذاته، كان ثمة علاقة غريبة تتخلّق بين أفراد هذه العائلة التاجية في محيطها الضيّق (يوسف/نرجس/مريم)؛ إذ لم تتفوّه مريم مطلقا- مع اعتبار أن الراوي يتبنّى وجهة نظرها على مدار النصّ- بكلمة «أمي» أو»أبي» أو حتى «جدّي» أو «جدّتي»بل كانت تقول: الرجل الذي يُدعى يوسف والمرأة التي تُسمّى نرجس،.. وهكذا، بصيغ تنكيرية تعكس مدى توتّر وتأزّم العلاقة بين أفراد هذه الأسرة المجدبة (التي لم- ولن- تنجب أحدا بعد مريم) المتجّهة لا محالة نحو مزيد من التفكّك الأسري والتفسّخ الاجتماعي والانهيار الطبقي.
أدركت نرجس أثناء حملها بمريم أنها مقبلة على تجربة جسدية مرعبة سوف تكون بداية لتحوّلات شتّى، فكانت تقف أمام المرآة تتحسّس بطنها وصدرها في فزع حتى إنها باتت تكره جسدها أكثر من أي وقت مضى؛ إذ كانت غير راغبة في أن تشهد المزيد من الدلائل والعلامات على خيانة جسدها لها وتهاويه وذبوله وتحوّله إلى ما يشبه «الجيفة البعيدة تماما عن الجسد الحبيب والمخيف الذي ألفته وتعايشت معه» (ص:47). إنها الرغبة في خلود الجسد قبل خلود الروح ولو على حساب الابنة، الرغبة التي سوف تتحول مع نرجس إلى احتضان جسد يوسف التاجي، الجسد العاري الميّت الذي فارقته الحياة إلى الأبد راغبةً في استعادته ولو عن طريق ممارسة إيروسية قد توحي بمضاجعة الموتى (ص:22)... وأنّى يكون لها هذا ؟!
لذا، لم تحب نرجس مريم كما لم تحب مريم نرجس وجرّدتها حتى من صفة الأمومة فلم تنادها أبدا «أمّي». ليست هاجس «البتولة»– لدى مريم أو نرجس- زهدا سابقا للممارسة الجنسية فحسب:
«إنها اختيار ونمط عيش، وشكل سامٍ من أشكال الحياة يختاره البطل ضمن إطار اهتمامه بذاته. عندما ستفرّق الأحداث بين البطلين وتعرّضهما لأسوأ المخاطر سيكون الخطر الأكثر جسامة هو بالطبع التعرّض لاشتهاء الآخرين وحبّهما الجنسي؛ وسيكون أكبر دليل على قَدْرهما وحبّهما المتبادل هو المقاومة بأي ثمن وإنقاذ هذه البتولة الأساسية» (فوكو: تاريخ الجنسانية- الانهمام بالذات).
ولعل هذا ما يفسّر هيمنة «القرين» على شخصيات المتاهة بصفة عامة، وتحديدا سعي ذلك القرين (أو: تلك القرينة) إلى التحكّم في سلوك مريم يوسف التاجي من حيث هي مركز هذا العالم الروائي والسليلة الوحيدة للأسرة التاجية التي أصابتها لعنة بيت التاجي الذي أصبح مأوى للأشباح. إنه من نوع القرين العاشق للآخر، والذي تتمثّل ذروة عشقه في «الحلول» في الجسد المرغوب كأنه يسعى إلى التوحّد مع هذا الجسد ولا يطيق العيش بعيدا عنه:
«هل أساءت [القرينة[ تقدير القوة الروحية لمريم وبالتالي لم تقدر على إضعافها كل تلك السنوات أو خلخلة ثقتها بالعالم الذي تتحرك فيه؟ كانت تعرف أفكارها قبل أن ترد إلى ذهنها. كانت هي مريم ومريم هي...» (ص: 105- 106).
لكنّ أحد أهم نتاجات هذا «القرين» هو تأرجح الذات (مريم) بين الوعي واللاوعي، كأنها ذات منقسمة على نفسها، شيزوفرينية ربما (!)، أو هي ذات تفتقد مفهوم الهوية الشخصية؛ أي ذات تفتقر إلى مفهوم اضطراد الزمن وتتاليه وسط هذا العالم الغريب الموحش. من هنا كان «الجنون» واحدا من البدائل المطروحة بقوة أمام الشخصيات التي لم تستطع مواجهة قساوة العالم وضراوته التي بلغت حدّ الغرائبية المخيفة، فاحتمت بـ -أو لجأت إلى- منطق مغاير في الفهم والإدراك هو «الجنون» من حيث هو ابتكار الكلام الجديد (أو اللغة الجديدة) من أجل اختراق اللغة القائمة سلفا وكسر لعبة الدوال والمدلولات التي يقوم عليها فقه اللغة التقليدي والتماسّ مع الدوالّ وحدها بعيدا عن مرجعياتها الاجتماعية المتوارثة. وشخصية صوفيا في هذه الحالة أصدق مثال. لقد كانت مريم تبحث عمّن دفع الجميع إلى دوامة الجنون؟:
«هل جُنَّت صوفيا فتبعتها كل الأشياء؟ أم أن الجنون هو الأصل وما عداه محض أوهام؟» (ص: 69). لقد «عاشت صوفيا في جنونها هذا مدة ليست بالقصيرة تنتظر بزوغ الرجل من العدم...» (ص: 87).

- «صورة الفردوس»:

ترتبط صورة الفردوس، في مخيلة الإنسان العربيّ، بصورة جنّات عدن التي رسمها القرآن الكريم باستفاضة، وهي صورة سردية أثيرة تنهض على مفردات الأشجار والخضرة والأنهار التي تجري من تحت الجنان، ثم تكتمل الصورة بالحور العين والغلمان وكؤوس الشراب التي ينهل أصحابها من أنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من عسل مصفَّى وأنهار من خمر لذَّة للشاربين، .. إلى آخر مفردات هذه الصورة التي تتعامل معها كتب التفاسير وقصص الأنبياء اعتمادا على مبدأ «الخيال المطلق». لكن رواية منصورة عز الدين «وراء الفردوس» توازي بين صورة الجنة/الفردوس والبيت الريفي القديم، حيث العائلة التي تمثل تاريخا جمعيا للذات، العائلة التي قامت على كتفي شخصيتين اثنتين فحسب كانا بمثابة آدم وحواء هما: الجدّ والجدّة (عثمان، رحمة)، ومن سلالتهما خرجت باقي الشخصيات: رشيد، جابر، سميح، ثريا، بشرى، سلمى، جميلة، هشام، .. إلخ. لكن فكرة الجنة/الفردوس في عالم هذه الرواية لا تنفصل بحال عن فكرة اللعنة الأبدية التي تطارد العائلة ممثلة في فكرة «القرين» والقتل والدماء والغيرة التي تنطوي عليها الأنفس البشرية منذ قابيل وهابيل. لذلك، تبدأ الرواية بمشهد النهاية حيث تتخذ سلمى رشيد قرارا بحرق محتويات الأسرة الماثلة في ذلك الصندوق الخشبي الذي يحوي إرث الأب والجدّ من أشياء شخصية وأوراق غير مفهومة سواء من حيث اللغة أو الرموز والعلامات. هكذا، تسعى الرواية - من وجهة نظري - إلى تأكيد مقولة شهيرة كان الناقد والمفكر فريدريك جيمسون قد أطلقها منذ سنوات في كتابه «اللاوعي السياسي: السرد بوصفه فعلا اجتماعيا رمزيا» حين قال: «إن التاريخ مقولة سردية»، وهي جملة توازي ما قاله إدوارد سعيد في كتابه «الثقافة والإمبريالية»: «إن الأمم ذاتها سرديات ومرويّات». لذلك، يمكن أن نصف رواية «وراء الفردوس» بأنها سردية بحث عن الذات والهوية عبر تعرّف التاريخ الجمعي لأسرة عثمان ورحمة، تلك الأسرة التي لا تبتعد كثيرا عن أسرة التاجي في روايتها السابقة «متاهة مريم».
من يتابع كتابة منصورة عز الدين في كتابيها السابقين «ضوء مهتز» و»متاهة مريم» ويصلهما بروايتها الأخيرة «وراء الفردوس» يدرك أن هذه الروائية لا تزال تحفر حفرا عميقا مدهشا في المجرى السردي نفسه الذي سبق لها أن شيّدت أركانه وضفافه منذ كتابيها الأوّلين، الأمر الذي يدفع القارئ بشكل عام إلى التعامل مع نصوصها السردية الثلاثة باعتبارها نصا واحدا أو متنا كبيرا، ينهض على عدد من الدعامات التي يقع في القلب منها استقطاب ذاكرة القارئ ومخيّلته ودمجها بمهارة في ذاكرة الرواة والشخصيات، وبطريقة تثير بداخل كل قارئ منا – كما لو كان شخصية قصصية من ورق - جماعًا من الذكريات والمشاهد عن العالم الأول والبيت القديم، أو لنقل ـ باختصار ـ إنه الحنين إلى الطفولي أو «الجنّة الأولي» أو «الفردوس» الذي يسكن قاع مخيّلاتنا. هكذا، ينفتح فضاء الكتابة عند منصورة عز الدين، في كتبها الثلاثة (ضوء مهتز، ومتاهة مريم، ووراء الفردوس)، على عالم متشابك الرموز والدلالات حول الأحلام، واللاوعي، والبيت القديم/ الفردوس.
وتشترك رواية «وراء الفردوس» مع نصوص منصورة السابقة في عدد من التيمات، منها: فكرة القرين (سلمى وجميلة)، وجود شخصيات قبطية بمحمولات ثقافية مصرية، انطواء السرد على تيمة «السر المكنون»، تداخل الواقعي بالغرائبي والحلمي، الاحتفاء بالأسرة التي تنطوي على فكرة «اللعنة». كما تثير الرواية عددا من القضايا الاجتماعية التي ترصد تحولات المجتمع المصري منذ الأربعينات حتى بداية التسعينات، وتحديدا من خلال قضية تجريف الأرض الزراعية وبناء مصانع الطوب الأحمر.
ثمة مفاهيم كثيرة تشتغل عليها نصوص منصورة عز الدين بصفة عامة كمفهوم «العلامة» و «اللعب» و»الأثر» عند جاك ديريدا مثلا أو بعض الإشارات إلى «موت الإله» أو «العود الأبدي» عند نيتشه أو «الجنون» و»القرين» عند ميشيل فوكو، أو غير ذلك من مداخل ومفاهيم تنطوي عليها نصوص الكاتبة وتحتاج منا إلى قراءات من منظورات نقدية مختلفة. لكنّ ما هو أكثر أهمية- من وجهة نظري- أن كتابة منصورة غاصت في محليّتها الخاصة، المتصلة بتصورها الخاص جدا لعالم الريف، بعيدا عن محاكاة الآخرين من جيلها أو الأجيال السابقة. وعلى الرغم مما قد يلحظه الناقد أو القارئ على السواء من بعض السلبيات هنا أو هناك، كالشعور بحالة من التيه مع النصف الأول تقريبا من روايتها «وراء الفردوس» حيث تتعدد الشخصيات وتتداخل أحيانا في ذاكرة القارئ، يبقى لنصوص الكاتبة ذلك الحرص البالغ على التجويد وإبداع لغة قصصية مختلفة ومتميزة تشير بوضوح إلى تنامي «تيّار واقعي جديد» في الكتابة القصصية المصرية المعاصرة، أقصد إلى تيار يستعين بالطاقة القصوى للذاكرة الإنسانية، ويمتح من رحم الغرائبية، وينهض على الاعتداد بقيمة الأحلام في تشكيل المعرفة الإنسانية، فضلا عن كونه تيارا يرتكن إلى نزوعات وجودية لها بعض الملامح عند كتاب سابقين على منصورة عز الدين أو مجايلين لها (انظر مثلا نصوص: إبراهيم فرغلي، أو مصطفى ذكري، أو منتصر القفّاش، أو غادة الحلواني، أو حمدي أبو جليّل...). لكنها جميعا نصوص تؤكّد على تصاعد أزمة وجود- وكذلك أزمة هويّة- حقيقية لدى أبناء هذا الجيل من الكتّاب والكاتبات الذين راحوا بدأب يكتبون واقعيتهم الخاصة التي هي واقعية جديدة، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون.

متاهة مريم بين لوعة الفقد وتناسل الأحلام وتناظر المصائر



د. صبرى حافظ

رواية (متاهة مريم) هي الرواية الأولى للكاتبة المصرية الموهوبة منصورة عزالدين بعد مجموعتها القصصية الأولى (ضوء مهتز) التي صدرت عام 2001. وتوشك هذه الرواية الجديدة ـ في مستوى من مستويات المعنى والدلالة فيها ـ أن تكون طالعة من إهاب قصة العنوان في مجموعتها القصصية الأولى تلك، أو تستحضر على الأقل بعض أجوائها ومناخاتها الكثيفة. لكن المهم من الناحية المنطلقية أن هذه الرواية تواصل المنهج السردي الذي بلورته الكاتبة في مجموعتها القصصية الأولى، والذي ينمحي فيه الخيط الفاصل بين الحلم والواقع، وبين الوهم والحقيقة، وبين المتخيل والمعاش التي تعد كلها وجوها متعددة، بل ومتكاملة للتجربة عندها. لكن هذا المنهج يكتسب هنا بعدا فريدا يجعلها من أكثر رويات الجيل الجديد من الكاتبات انشغالا بما دعوته بالهاجس الكياني أو الأنطولوجي الذي تعيد فيه البطلة تمحيص مفردات حياتها من أجل اكتشاف هويتها، أو استيعاب حقيقة تاريخها الشخصي. فالمتاهة التي ينطوي عليها العنوان ليست متاهة مكانية أو جغرافية، ولكنها متاهة كيانية بحق، ولها عدة أبعاد نفسية واجتماعية وحضرية، بل حتى تاريخية. ولذلك فإنها ليست بأي حال من الأحوال من صنع البطلة، أو من بنات خيالها برغم أن الخيال عنصر أساسي في بنية هذا النص السردية. ولكنها متاهة وجودية أي كيانية تجد نفسها فيها دون أي سبيل للخلاص منها. والواقع أن هذه المتاهة التي تؤكد انتماء الرواية إلى طبيعة السرد التسعيني الجديد، هي التي تجعلها في الوقت نفسه إضافة متميزة لروايات كاتبات هذه الموجة الروائية الجديدة مثل مي التلمساني وميرال الطحاوي ونورا أمين وبهيجة حسين وأسماء هاشم وسهام بدوي وغيرهن.

وما يجعل هذه الرواية إضافة ملموسة إلى روايات التسعينات النسائية هي بنيتها السردية الشيقة التي تنطوي على عملية تأنيث الكتابة من ناحية، وفتحها من ناحية أخرى على التاريخ الاجتماعي وعلى البعد الأسطوري في كتابة التجربة الريفية من ناحية أخرى. فهي من روايات التسعينات القليلة التي تكتب القرية في جدلها المستمر مع المدينة، وهي الرواية الأولى التي تكتبها إحدى كاتبات هذا الجيل الجديد عن الريف، باستثناء كتابة التجربة البدوية عند كل من ميرال الطحاوي وأسماء هاشم. وهي في الوقت نفسه رواية عن تناسخ مصائر النساء وتكرارها من جيل إلى آخر دون أمل في التحسن أو التطور. لأن الرواية تكتب لنا متاهتها في تسعة فصول ينقسم كل منها إلى قسمين: ينتمي أولهما إلى حكاية أسرة التاجي الأسطورية، بينما يقدم لنا ثانيهما تفاصيل حياة مريم وتخبطها في متاهتها المغوية. ومن هنا فإن ثمة تناظر بين الماضي الأسطوري والحاضر الملغز، وجدل مستمر بينهما في وقت واحد من خلال هذه البنية الشيقة التي يتفاعل فيها الماضي مع الحاضر ويتخلل كل تفاصيله. وهي بنية تنطوي في وقت واحد على استراتيجيات الاستمرار والقطيعة، وعلى الجدل المستمر بين المتشابهات والمختلفات. فالماضي فيها لا يتحكم في الحاضر، بل يوشك أن يكون مبتوت الصلة به. ولكنه يظل برغم هذه القطيعة البادية شبحا يؤرقه ويمضه ويقض مضجعه، قد يفيدنا أن نعرف شيئا عنه، ولكن هذه المعرفة لا تمكننا من الخروج بالبطلة من المتاهة، وإنما تعمق توغلنا معها في فيافيها وسراديبها الملغزة. وتكشف لنا في الوقت نفسه عن أن لهذه الكتابة الغارقة في بلبال الشاغل الأنطولوجي، المتخبطة دوما في متاهته، أبعادها الاجتماعية والتاريخية الدالة والمراوغة معا.

ومع أن بنية الرواية الجدلية تحتم علينا قراءة التناظر الدال بين القسمين أو بين السردين: السرد الذي يدور في القسم الأول من كل فصل، والذي يمزه النص بطبعه بالبنط الثقيل، وهو لا يتجاوز الصفحة الواحدة في كل فصل، وأحيانا لايزيد عن فقرة واحدة. والسرد التفصيلي الذي يتجاوز المائة صفحة والذي يتكون منه عصب النص وتتخلق عبره متاهته. إلا أن ضرورة فك شفرات النص السردية تتطلب منا تناولهما واحدا وراء الآخر وكأنهما سردين منفصلين لامتصلين، وذلك من أجل وضوح التحليل، ثم بعد ذلك أشير إلى بعض نقاط التقاطع والتداخل والتفاعل بينهما كي نتمكن من استكناه بعض مستويات المعنى المختلفة التي تنطوي علها هذه الرواية. ومن البداية نجد أن النص السردي الأول، وهو نص بالغ الشعرية والتركيز ينطلق من بنية الحكاية الأسطورية، ويبدأ مثلها بـ"يحكى أن"، فما الذي يحكيه هذا النص الأسطوري الملفع بالألغاز؟ "يحكي أن التاجي عندما قرر بناء سراياه أحضر عددا من قطع اللحم، ووزعها على مناطق مختلفة من الأرض. ثم اختار الأرض التي حفطت اللحم من الفساد لأطول مدة، وبنى عليها السرايا الضخمة ذات القباب والواجهات الرخاميةِ(ص5) لقد اختار التاجي المكان بمنطق التجريب العلمي والعقلي ليشيد سراياه على أساس متين. فهل حفظت هذه السرايا لحم أسرته من الفساد والتحلل؟ هذا هو السؤال الذي يؤرق هذه الرواية المسكونة بجحيم الأسئلة منذ هذه البداية الأسطورية وحتى النهاية المأساوية.

فالسرايا التي بناها التاجي الكبير ليست كغيرها من السرايات. أرادها "ألا تشبه أي مبنى آخر، فأمعن في ملئها بالسراديب والدهاليز والقاعات الواسعة والشبابيك ذات الزجاج الملون، والشرفات الرحبة المسورة بأسوار قصيرة يعلوها درابزين أسود على هيئة أغصان شجر تنتهي بورود فضية. هذا الدرابزين هو نفسه الذي حمل شجيرات ياسمين هدهد عبيرها المكان، وأحاطه بعبق مدهش يتحول في الظهيرات الصيفية القائظة إلى لعنة لذوي الصدور الحساسة تجعلهم يتسولون أنفاسهمِ(ص5). نحن إذن بإزاء مشروع حضاري كامل له منطقه العقلي، ولكن له جمالياته كذلك وأبعاده الأسطورية. فهذا الجمال الفادح المبهظ للأنفاس هو الذي يقدم لنا منذ الصفحات الأولى في النص جدلية الموت\ الحياة والجمال\ القهر والبطش. وهو ما يؤكده لنا السرد بعد ذلك أكثر من مرة، حينما يقول لنا أن بالسرايا خمسين غرفة، وأن كل غرفة تعبق برائحة مختلفة عن الأخريات "يقولون ثمة غرفة تعبق برائحة الياسمين، وثانية برائحة الورد البلدي، وغرفا أخرى تنساب منها رائحة زهر الليمون، أو البرتقال أو الفل أو العنبر حتى نصل إلى خمسين غرفة بخمسين رائحة. تتداخل الروائح مع بعضها البعض بشبق في الردهات والممرات مكونة روائح أخرى جديدة تخلب الألبابِ"(ص93). ويذكرنا بأنه "عادة ما يمتزج تغريد البلابل بزقزقات العصافير بنعيق بومة وحيدة تعشش داخل تجويف بجذع شجرة مانجو عجوز في المنطقة الخلفية من حديقة السرايا. أحتفالية الصوت تلك تشعر المارة أن الطيور سرقت الحياة من ملاك المكان"(ص51) وهو الذي يفتح السرد القديم على أبعاده الأسطورية، ويقدم لنا حتمية الموت القابع في قلب هذه الحياة البادخة المترفة. فـ"بعد وقت قليل من بنائه السرايا، دهست عجلات عربة التاجي جسد أحد الخدم. كونت الدماء ما يشبه بحيرة صغيرة متجلطة قبل أن تجف ملتصقة بالأرض. لسنوات طويلة لم يفلح أي شيء في محو أثر تلك الدماء"(ص19). فنحن هنا بإزاء الأسطورة الشعبية التي تعمد كل مبنى جديد بالدم، أو تستأديه ثمنا لجدته.

هكذا يؤسس النص البعد الطاغي، بعد القاتل في شخصية التاجي الكبير من البداية. بل يجعله لعنة تمشي على قدمين "كان التاجي أذنا مرهفة السمع، تلتقط أخفت الأصوات التي تنبعث في جنبات السرايا، وعينا حادة الإبصار تلم بأدق تفاصيل المشاهد التي يراها. باختصار كان لعنة تسير على قدمين"(ص33). وفي الفصل الخامس، وهو واسطة العقد في هذه البنية السردية تساعية الفصول، تضيف الرواية الجنون إلى مكونات عالم هذه السرايا الأسطوري. ويتخذ الجنون هو الآخر بعدا أسطوريا حيث "يقال إن ملكا في صورة هدهد اعتاد أن يتخير طعامه من بين فواكه السرايا. يطير حاملا أجود ثمار الخوخ أوالبرقوق بمنقاره، قبل أن يحط في بقعة خالية. ينقر الثمرة نقرات خفيفة ثم يعفّ عنها. إذا أكل أحدهم الثمرة المنقورة يجن فورا"(ص63) ومع الجنون يجيء الجدب والإمحال، لأن الحديقة التي اثمر فيها كل ما لذ وطاب، لم تفلح فيها أبدا زراعة شجر المشمس. "كانت شجيراته تنمو إلى أن تصل لمرحلة معينة فتتوقف عن النمو، لا تزهر وتظل بلا أي تغيير يطرأ عليها"(ص77). ومع الجدب لابد أن تظهر الأشباح المؤذنة بالموت والمرهصة به. "يحكى أن ثمة من يظهر في حديقة السرايا ليلة الخميس الأول من كل شهر. ينبثق من بين شجيرات القرنفل الإنجليزي ويمشي كأنما يعبر شعرة رفيعة تفصل بين الجنة والجحيمِ"(ص113). وبعد الشبح يأتي نعيق البومة المرهص بالموت ففي "ليالي الشتاء المظلمة يسمع ابتداء من منتصف الليل نعيق البومة التي تعشش داخل تجويف شجرة المانجو العجوز. تحكي الجدات أن البوم يصرخ بشكل متواصل هكذا حين يكون متعطشا للدماء، ولا يهدأ إلا برؤيتها"(ص121).

هذا العالم الواقعي الأسطوري هو ما يقدمه لنا الخيط السردي الأول في تواشج مستمر مع الخيط الثاني، حيث أن جزئياته تشكل مقدمات الفصول السردية أو استهلالاتها الموجزة التي تستعيد الماضي قبل أن تدخل بنا في طوايا الحاضر. فما الذي يقدمه لنا الخيط السردي الثاني؟ يبدأ السرد الثاني بوضع عالمه كله على الخيط المشدود بين الحلم والواقع، بل يبدأ من الحلم ليتوجه عبره للواقع. لأن الحلم في هذه البداية السردية هو الذي يتحكم في الواقع ويرهص بمساره. "قالوا من يمت إثر طعنة قاتلة في الحلم يقتل في اللحظة نفسها في الواقع. ومن يسقط في حلمه من مكان شاهق مرتطما بالأرض يتوقف قلبه على الفور. فلماذا بقيت مريم إذن على قيد الحياة؟ كان هناك أخرى في مثل سنها تقريبا وتحمل وجهها وجسدها وتسير بمحاذاتها"(ص7) ثم تسقط "بجوارها قتيلة هي الأخرى"(ص8) ولا تكتفي هذه البداية بالالتباس الناجم بين الخلط بين الحلم والواقع فحسب، ولكنها تضيف له فكرتي القرين والموت كذلك. فلسنا هنا بإزاء "مريم" واحدة، وإنما مريمتين، وربما عدة مريمات. وهي من البداية في "ٍمكان أشبه بمتاهة بلانهاية"(ص7). لكن هذا كله جرى في الحلم، وما إن تصحو "مريم يوسف أحمد التاجي" على الواقع حتى تبدأ مشاكلها العديدة فيه. فهي وريثة أسرة التاجي بعد أن فقدت الأسرة كل تيجانها، وتبدد عنها مجدها الغابر، وألق سراياها القديم. تجد نفسها في شقة عابدين ـــ لاحظ دلالات اختيارات الأسماء والأماكن في هذا النص البديع الذي ينطوي علي مستويات متعدده من المعاني والدلالات ليس أقلها أهمية المستوى الاستعاري أو الرمزي ـــ التي "لم تطأها قدم منذ تخرج يوسف في كلية الصيدلة وعودته إلى سرايا التاجي"(ص9) حيث افتتح صيدلية في المنطقة، وعاش حياة مضطربة، ككل الذين سرقت منهم تضحياتهم في مصر التردي والانهيار، بعدما فقد ذراعه اليسرى في الجبهة التي تبقيها الرواية غامضة. فلا نعرف في أي حرب من حروب مصر الكثيرة ضد العدو الصهيوني فقد يوسف ذراعه. ولكن تظل الذراع المبتورة مشعة بالدلالات على مستوي التأويل الاستعاري للنص، تطل علينا بين الحين والآخر كوجع تاريخي وجرح لا يندمل.

وتفاجأ "مريم" بوجودها في شقة عابدين تلك في زمن غير الزمن الذي كان فيه لعابدين مكانة وألقا، انتهى هذا الزمن منذ انتهى ألق التاج والتاجي معا. لا تعرف كيف وجدت نفسها فيها، وتشعر بضياع حقيقي وفقدان أكيد للقيمة والماهية، بعدما أصبحت مصر بأكملها "قليلة القيمة" في زمن الهوان والتبعية. ولذلك يغزوها هذا الإحساس المر "أنا لا أحد. قالتها مريم لا كما يحدث في الروايات البوليسية الرديئة، حين يصيح الخصم الشرير غالبا: لا أحد يهزمني، فيرد عليه البطل بسخرية واثقة: أنا لا أحد. على عكس هؤلاء المتكئين على ذواتهم بيقين فاجر تشعر أنها تلاشت، وأن عليها أن تواجه العالم منذ هذه اللحظة كمن يختبر الحياة لأول مرة"(ص11). هذا الاختبار للحياة لأول مرة هو مبدأ تأسيس الأشياء في كتابة الهاجس الكياني وتمحيص مفردات العالم كلها من جديد. ومع هذا الإحساس بالتلاشي وانعدام القيمة، وهو الإحساس الذي يتفشي في كثير من كتابات هذا الجيل التسعيني التعيس الذي جاء في زمن التبعية والهوان، وانسد في وجهه  الأفق على جميع المستويات، تشعر بأنها تعيش في عالم غير حقيقي. فلا يمكن أن يكون هذا العالم المترع بالفساد والتردي حقيقيا بأي معيار من معايير العقل والصواب. "ودت لو تلمس ثمرات الخوخ والمانجو أمام الباعة لتتأكد من أن الأشياء حقيقية. لماذا يطاردها هذا الإحساس القاتل بأنها تطفو فوق هذا العالم دون أن تعيش فيه. وأن العالم نفسه غير موجود إلا في خيالها فقط"(ص12) وهذا الإحساس بعدم حقيقية العالم هو الوجه الآخر من وجوه رفضه أو التملص من مأزق الوجود فيه. وهو أحساس يتخلل نسيج النص كله. حيث "تسير مريم في شوارع المدينة كالمنومة، لا  تدري هل هي في عالم حقيقي أم لا؟ كل الأشياء صارت بعيدة عنها، موغلة في تنائيها لدرجة مرعبة. الأشخاص الذين كانوا جزءا من حياتها تحولوا إلى مجرد أشباح تزورها من آن لآخر ثم تغادرها فجأة تاركة إياها لدوامات الحيرة والجنون دون أدنى شفقةِ"(ص65)

وتحاول "مريم" أن تعثر على بعض الرواسي التي تتشبث بها في هذا العالم الزئبقي الذي يتفلت بلا رحمة من بين أصابعها الراغبة في الإمساك به. فتبحث أولا عن "رضوى" صديقة سنوات دراستها بالجامعة وزميلة سكنها في بيت المغتربات، فلا تجد لها أثرا. فـ"رضوى" هي الأخرى بنت هذا التغير الضاري الذي عصف بمصر. ترك أبوها البلد، وعمل في إذاعة "صوت أمريكا" الذي لم يعد في هذا الزمن الردئ ثمة صوت سواه. وترك ابنته وراءه تتسول أصداء صوته في المحطة المذكورة، فلا غرو أن تكون أغنيتها المفضلة هي الأغنية الأجنبية الشهيرة "شبح الرجل الميت يمشى، شبح الميت يتكلمwalking, dead man talking Dead man". وكأن هذا الرجل الميت الذي يتكلم هو أبوها الغائب وراء "صوت أمريكا". وسوف تجد "مريم" بعد كثير من البحث أن "رضوى" قد التحقت بهذا الرجل الميت هناك، وتركتها وحدها تحمل عبء ميراث عائلة التاجي ومجدها الغابر القديم. ألم تكن أي محاولة للتشبث بصوت الموت هذا تصيبها بالصداع؟ "كانت تضبط مؤشر الراديو على صوت أمريكا تستمع للغو كثير يصيب مريم بالصداع"(ص17). إذن فالنص يسد أمام "مريم" باب التشبث بوهم زمالة أو صداقة قديمة مع من أصبح أبوها بوقا لـ"صوت أمريكا". وتحاول بعد ذلك البحث عن شيء آخر تتشبث به، فتذهب للقاء زوجها "يحيى الجندي" التي لا تذكر أنها تزوجته ـــ ففي مستوى من مستويات الدلالة في النص، تدور الأحداث بعد تعرضها لحادث سيارة غامض ـــ بل لا تستطيع أن تعثر له على وجود حقيقي في الجريدة التي يعمل بها. فلا نعرف إن كان يحيى هذا وهما خالص من بنات أفكارها، أو واقعا لا يريد الوعي الاعتراف به. ولكنها فيما بعد وهي "تنكش في الأوراق الكثيرة في صندوق صوفيا الخشبي بشقة عابدين، وجدت وثيقة زواج تخص مريم يوسف التاجي ويحيى الجندي"(70) غير أن إنكار زملاء يحيى بعدوانية لوجود شخص بهذا الاسم يعمل معهم(ص14) يحرمها من أي يقين، فتكتشف أنه لم يعد أمامها سوى العودة إلى ماضي أسرتها تنقب فيه عن معنى لحياتها في هذا الزمن الردئ. ويأخذ هذا التنقيب منحيين: أولهما يمكن دعوته بالمنحى التاريخي الذي يقدم لنا تاريخ أسرتها بفرعيه: فرع الأب المنحدر من أصلاب التاجي وزوجته الألبانية الأصل "صوفيا"، وفرع الأم "نرجس" الذي استفاد من عملية الحراك الاجتماعي الواسعة التي وفرتها ثورة عبد الناصر الاجتماعية، وهيأت عبرها لابنة "صالح" العامل السابق في "الأورنص" الانجليزي، والخفير السابق لجناين التاجي، أن تدخل الجامعة، وتحلم "بإنجاز رسالة ماجستير في الأدب الإنجليزي عن وليام بليك"(ص41) ثم تزوج من ابن أسرة التاجي العريقة. أما الثاني فيمكن دعوته بالمنحي النفسي الشخصي الذي ينقب في تاريخ علاقاتها كأمرأة بصديقاتها الحميمات من "إديث" و"رضوى" أو بزواجها الملغز من "يحيى الجندي". وتكتب لنا الرواية من خلال التضافر الخلاق بين هذين المنحيين رواية المرأة التسعينية بامتياز، لأن "مريم" قد استطاعت بضربات الفن الروائي الموفقة أن تجمع المجد من كل أطرافه كما يقولون، ولكنها كمصر التي نشأت فيها تعاني من التردي والدمار، ولا يفيدها هذا المجد الآفل في شيء اللهم إلا تعميق إحساسها بالفقد والمتاهة. فهي بنت المجد العريق، وأسرة التاجي التي أنشأ جدها الكبير سراياه على أساس العقل والمعرفة بعدما اختار لها أنسب المواقع، ثم شيد عليه أجمل السرايات. وهي في الوقت نفسه ـــ ومن ناحية الأم ـــ بنت السواد الأعظم من الفقراء الذين ينتمي إليهم جدها الآخر "صالح" بعدما وفر التعليم المجاني في زمن عبد الناصر لابنته "نرجس" فرصة الصعود إلى طبقة التاجي الأعلى.

لكن استعادة الرواية لهذه التواريخ وتنقيب "مريم" في طواياها عما تتشبث به من يقين لا تتم بهذا المنطق التحليلي الذي يستخلصه النقد من النص، وإنما بمنطق السرد الاستعادي المتقطع. وهو سرد إشكالي لأن راويته لا تثق بما يدور حولها، ناهيك عما يدور في خلدها. "أحيانا تندفع إلى ذهنها تفاصيل كثيرة تكوّن مشاهد واضحة كاملة، لكنها لا تستطيع أبدا معرفة ما إذا كانت هذه المشاهد والأحداث قد وقعت فعلا أم لا؟"(ص70) ولذلك فإنها تبقي هي وما تسرده علينا في "عراء الأسئلة"(ص72) تواصل التنقيب عن معنى لحياتها. ويبدأ تنقيبها لدلالة المفارقة من لحظة الموت: لحظة موت أبيها ـــ بذراعه المبتور في حرب خاسرة ـــ بعدما انقلبت به السيارة في الترعة وهو في طريقه لبيت عشيقته "كوثر". فقد كان موت الأب الدامي موتا مضاعفا. فهو موت آخر رجال أسرة التاجي، وأكثرهم معاناة من انكسار الحلم الوطني، والهزيمة القاصمة التي هدت الجميع. وهو في الوقت نفسه الموت الذي نزع من حياة البطلة آخر رواسيها أو مراسيها. فقد جاء هذا الموت بعد موت التاجي الكبير، ومقتل ابنه من زوجته الثانية "زينب" وهو في العشرين من عمره بسبب "ثأر غريب بدأ نتيجة خلافات مالية بين التاجي وإحدى العائلات من بلدة مجاورة"(ص85) وبعد موت "صوفيا" التي حكموا عليها بالجنون، وعزلوها في إحدى الغرف البعيدة بعد أن بدأت تصرخ ليلا عقب موت زوجها الذي رفضت الاشتراك في مراسيم جنازته "لاعنة زينب متهمة إياها بقتل التاجي بالاشتراك مع النمر الذي وصفته بأنه عشيقها"(ص87). لكن هذه الميتات كلها حدثت قبل أن تتفتح عينا "مريم" على الحياة، لكنها تستدعيها لنا مع الميتة التي عاشت كل تفاصيلها: موت أبيها وهو في طريقه إلى بيت "كوثر" التي طالما اصطحبها إليه معه. بل كان هذا الأب يعاملها وكأنها ابنه لا بنته. يصطحبها معه إلى العمل في الصيدلية، وحتى إلى الغرز التي يدخن فيها الحشيش.

هذا كله لأن "مريم" هي ابنته الوحيدة، وهي آخر من تبقى من أسرة التاجي فإن قصتها تكتسب ثقلا دلاليا خاصا. فما يخرج بقصة "مريم" برغم خصوصيتها المفرطة من الخاص إلى العام هو هذا الجدل المستمر بين النصين السرديين في الرواية ككل من ناحية، والخيطين التاريخي والشخصي في عملية التنقيب عن ذاتها وتاريخها من ناحية أخرى. فهذا الجدل السردي المستمر في البنية الروائية هو الذي يفتح الرواية على كل ما جرى لمصر في العقود الثلاثة الماضية، ويحيلها إلى استعارة مضيئة لواقع هذا الجيل التسعيني سيء الحظ، ولما جرى لمصر معه. فالرواية تقيم في مستوى من مستويات المعنى توازيها الاستعاري بين "مريم" بدلالات اسمها الدينية والميثولوجية وبين مصر. فـ"مريم" كما ذكرت هي ثمرة الزواج بين الشريحتين الأساسيتين في النسيج الاجتماعي المصري: شريحة ملاك الأراضي الكبار، وشريحة الفلاحين المعدمين الذين أنصفهم الإصلاح الزراعي في عهد عبد الناصر حينما نال "صالح" شيئا من فتات أراضي التاجي. فالرواية حريصة على أن تقدم لنا دلالات التغير الاجتماعي الرمزية التي أتاحت لابنة "صالح" أن تتزوج في نهاية الأمر ابن التاجي من خلال هذا المشهد الفكاهي المترع بالدلالات والذي ذهب فيه صالح للتاجي الكبير يعرض عليه فتات مدخراته ثمنا لما قدمته الدولة له من أراضيه. "غرق التاجي في ضحك متقطع، بدا كأنما بلانهاية... قبل أن يمنحه عصاه الأبنوس الفاخرة ذات الرأس العاجي على هيئة أسد كطريقة لإنهاء الحوار. وتذكيره بأنه مجرد خادم يستجدي العطايا"(ص58). وظلت هذه العصا\الصولجان التي سعد بها "صالح" أيما سعادة تحمل دلالاتها الرمزية في النص معه لسنوات طوال. لأن "سعادته بعصا الأبنوس باعتبارها أفخم شيء رآه في حياته"(ص58) هي في مستوى التأويل الرمزي سعادة بانتقال الصولجان ــــ ولو شكليا ـــ من طبقة التاجي إلى طبقة صالح. ولذلك "ظل محتفظا بها إلى أن ضاعت منه في خضم جنازة الزعيم"(ص58) تروي لنا الرواية قصة ضياعها منه بالتفصيل: "حين مات ناصر كان صالح قد باع محصول أرضه من القطن فشد الرحال إلى مصر. صالح الذي كان مولعا بالجنازات وجد في جنازة الزعيم فرصة لا تعوّض. فارتدي جلبابه الكشمير وعباءته السوداء، وأمسك بعصاه الفاخرة من الأبنوس ومضى إلى محطة القطار. في القاهرة تاه وسط الحشود الباكية المولولة. بكى معهم وصرخ وأضاع عصاه"(ص54) فقد ضاع بموت عبد الناصر صولجان طبقة برمتها، وتمرغت بعده في الهوان. أكان يدرك أنه يبكي مع الزعيم طبقة برمتها؟ لا أظن، لأن "صالح" لا يحمل وعي النص من ناحية، ولأنه من الذين أفلتوا من مصير هذه الطبقة التعيس من ناحية أخرى، بفضل تعليمه لأولاده. ليس فقط لأنه زوّج ابنته "نرجس" من ابن التاجي، ولكن أيضا لأنه ما أن مرت عشر سنوات على جنازة الزعيم حتى كان ابنه من الذين استفادوا من "انفتاح" الزعيم التالي. فعند موت السادات ذهب صالح "هذه المرة بسيارة ابنه المرسيدس وهو يلعن أبناء الحرام الذين يقتلون الزعماء الطيبين الساهرين على خدمة الشعب، والخاطبين فيه ليل نهار، والعاقدين للاتفاقات من أجله"(ص54). فياله من تغير! لكن مريم ليست ابن هذا التغير، وإنما هي ابنة انكسار الحلم بعدما "مات عبد الناصر، فانكسر الجميع. بكت نرجس وأخفت صورته الممهورة بتوقيعه في ألبوم العائلة"(ص53). وهي في الوقت نفسه بنت التغيرات العاصفة التي اهتصرت مصر وعصرتها منذ خروجها للحياة في عقد السبعينات العصيب. لذلك كان طبيعيا أن تغترب عن الجغرافيا كما اغتربت عن التاريخ. فحينما "زارت البلدة التي من المفترض أن تكون بلدتها، لم يعرفها أحد هناك. ولم تعرف هي أحدا، كانت تخطو كشبح، خفيفة، أثيرية محمولة بفعل الهواء الخفيف الذي يهدهد المكان... كان كل شيء مخالفا لفكرتها السابقة عنه إلى درجة مروعة. أحست مريم أنها في مواجهة مع العدم"(ص66). وعندما عادت إلى المدينة لم يكن حظها فيها أفضل من حظها في القرية. فقد وجدت "الآن هي أمام مدينة أخرى جهنمية تحاول لفظها خارج الحدود" ــــ أليس هذا ما فعلته المدينة مع صديقتها "رضوى"؟ ـــ "لا تعرف أحدا من سكانها كأنهم استبدلوا جميعا بكائنات أخرى تستميت في محاكاتهم كي لا تنكشف اللعبة ويظل الجميع كل في تيهه الخاص"(ص74).

وتضيف هذه المحاكاة للضياع عنصرا أخر لمتاهة مريم هو الاغتراب عن الذات نفسها، كما اغتربت مصر نفسها عن نفسها بعد الزج بها في وهاد الدمار والتبعية. لكن الرواية تنجح من خلال عملية تأنيث الكتابة فيها وتقديم قصة "مريم" وهي تنعكس بمراوغة ماكرة على مرايا من سبقها من النساء في هذه العائلة في أن تكسب شخصية مريم مجموعة من الدلالات الرمزية والاستعارية. وتخرج بها من نطاق كونها شخصية محددة ومتعينة إلى مجال الاستعارات الفسيح من خلال تحويلها إلى آخر صيغ التجسيد لحالة متكررة، تتناسخ فيها المصائر النسوية من جيل إلى آخر. لأن صورة مريم في هذه الرواية \ المتاهة تنعكس على مرايا معظم شخصيات النص النسائية بدءا من "صوفيا" الجميلة ابنة تاجر القماش الألباني التي أسمتها أمها على اسم صديقة يونانية تربت معها في حي الظاهر"(ص88) والتي انتهى بها الحال إلى الجنون بعد معاملة التاجي القاسية لها، وانتهاء بـ"نرجس" أمها التي لم توفر لها الأمومة الحقة، فقد شغلتها وساوسها حول جسدها الذي غيره الحمل وخوفها من "ألا يعود أبدا إلى سيرته الأولى"(ص42)، عن إنجاب وريث لأسرة التاجي الذي شارف قاربها على الغرق. ثم ضاعف من وطأة الأمر إهمال زوجها الذي انتزعته منها "كوثر" وتركتها تنهشها الغيرة والقلق حتى الموت، عن العناية الحقيقة بابنتها، وعن أن تكون لها أما حقيقية توفر لها الأمن والأمان، مرورا بـ"زينب" الزوجة الثانية للتاجي الكبير والتي ضاعفت من تعاسة "صوفيا" ، ثم فقدت ابنها وهو في شرخ الشباب نتيجة للثأر، فما كان منها إلا أن استأجرت القاتل المحترف "النمر" الذي "قام بقتل القاتل وتقطيع جثته، بل ويقال إنه حمل كبده وزجاجة من دمه إلى زينب التي قامت بشي الكبد وتوزيعه على خدمها"(ص86).

لكن تناسخ مصائر هذه الشخصيات النسائية في مصير "مريم" ودورها في صياغة أبعاد متاهتها يتضافر في أهميته من عملية التناظر التي يقيمها النص بين حياتها وحياة صديقتيها الحميمتين: أولاهما "إديث ملاك منير" التي كانت بالنسبة لمريم في صباها الأول بمثابة "هدية أرسلتها السماء إلى مريم"(ص117) فقد فتحت لها عوالم الشقاوة الطفولية العذبة في زمن الوئام الطائفي القديم الذي استمتعت فيه مريم بحدب عم ملاك منير وطنط هيلانة وإديث. وغامرت بها إديث داخل خلايا النحل، ومكنتها من شرب الشهد المصفى. أديت التي كانت زميلة صبا مريم و"تمنى لها والدها أن تكون قوية كالرجال كي تعوضه عن عدم إنجابه لذكر يساعده في تربية النحل"(ص115). لكنه تجرع "على يديها فضيحة مزدوجة، فأولا هربت ابنته مع رجل، وثانيا فإن هذا الرجل على غير ديانتها"(ص59) لكن ما يجعل الأمر أشد حدة بالنسبة لمريم، ليس أنها فقدت بهروب إديث مع الولد الأسمر صديقتها الأثيرة، ولكن هذا الولد الأسمر الذي يطارد اليمام ببندقيته كان هو من تعلق به قلب "مريم" ذاتها بعدما "أرسل لها قبلة في الهواء بينما تسير في طرقات المدرسة الثانوية، وتجرأ ولمس يدها وهو يمر أمامها في طابور الصباح"(ص95). أما الثانية فهي "رضوى" التي أنفقت حياتها في الاستماع إلى إذاعة "صوت أمريكا" التي يعمل بها والدها، تماما كما كانت "مريم" مغرمة بإذاعة مماثلة حيث كانت "تجلس في غرفتها طويلا وهي تستمع لإذاعة مونت كارلو مع العوالم السحرية لفايز مقدسي والصوت المحبب لأنطوان بارود وحبيب محمود"(ص79) وانتهي الأمر بأن "رضوى سافرت لوالدها"(ص119) في أمريكا وضاعت هي الأخرى إلى الأبد. والواقع أن كل هذا التناسخ والتناظر هو الذي يحيل "مريم" في النهاية إلى استعارة روائية لمصر نفسها ولما جرى لها في هذه المتاهة الحضارية، أم تراها المباءة الحضارية في هذا الزمن الردئ. ويجعل الرواية في الوقت نفسه واحدة من أبرز نصوص هذا الجيل الجديد في تأنيثها للكتابة، الذي يتجسد على مستويين: مستوي بناء الشخصية النسوية وتخليق متاهتها الكيانية، ومستوي محتوى الشكل الروائي الذي يقيم جدله الخلاق بين السردين، ويكشف من خلال انفصالهما وتفاعلهما معا عن منطق البنية النسوية المراوغ والمعقد معا، لأن الفصل بين السردين هو فصل بين منطقين أحدهما هو المنطق الأسطوري بإحالاته الذكورية، وثانيهما هو منطق السرد المتقصل\المتقطع بخصوصيته النسوية.

لكن تبقى "مريم" بعد ذلك، وقبله، تجسيدا لوعي مأزوم يعاني من متاهة كيانية حقيقية. فهي تدرك أن بقية البشر "يتمتعون بشروط حياة أفضل مقارنة بها وبأمثالها. قدراتها تفوقهم بمراحل، ورغم ذلك يستحوذون على كل شيء تاركين لها الفتات. يمضون غارقين في جهلهم وتعاليهم دون أن يكترثوا لوجودها. يدوسونها وهم يسيرون، يرقصون أو يتشاجرون. الأمر سيان"(ص107) فقد بخسها الواقع قيمتها، وعصف بحقها في التحقق كجل أبناء هذا الجيل المنكوب. ولهذا خاب زواجها من "يحي الجندي" الذي تبقيه الرواية في دائرة الالتباس والإضمار. ولم يكن غريبا أن نكتشف أن "المرأة الورطة" هو الاسم الذي أطلقه عليها زوجها الملتبس "يحي" بتوجهاته لتي تنتمي للزمن الردئ. خاصة وبعد تأويله للأحلام التي تلح عليها وسخريته منها. وتلعب الأحلام في هذه الرواية دورا بالغ الأهمية في تخليق مستويات المعنى الإضافية فيها. لأن أحلام "مريم" المتكررة الثلاثة تكشف لنا عن افتقاد هذا الجيل التسعيني العميق للإحساس بكيانه، والثقة في واقعه الهش الذي يفتقر للمنطق والانسجام. لكنها تكشف لنا أكثر عن فقدان هذا الجيل للتحقق وللشعور بنفسه، وفهم ما تخبئه له الأيام. فبالإضافة إلى حلم مقتلها التي يفتتح به السرد متاهته يلح عليها حلم الفضيحة والعري في فراش الزوجية الحلال لحدة المفارقة، وكأنها ترتكب شيئا محرما. وحلم الإخفاق المحتم في امتحان لم تستعد حقا له، ولم يتح لها معرفة المقرر الذي ستمتحن فيه، ناهيك عن مذاكرته. وهي كلها أحلام تكشف عن تزعزع الثقة في النفس، وعن فقدان التحقق. وأهم من هذا كله عن العجز عن الانسجام مع عالم تعاني فيه الشخصية الرئيسية من سرعة التغيير أو بالأحري تلاحق التشوهات عليه، والعجز عن ملاحقته أو القبض على إيقاعاته. ولا تجد إزاء هذا الواقع سبيلا للخلاص بطرح النهاية النصية الواثقة في سردها في مواجهة السرد الإشكالي الذي سيطر على النص كله. في هذه النهاية يرتد بنا السرد إلى الماضي، ولعالم القرية القديم الذي تتعرف "مريم" في النهاية على ملامحه السرمدية وكأنها لم تتغير قط. لكن هذا كله سرعان ما يتكشف عن خدعته، حينما يزج بها الواقع القديم في متاهة أخرى تجبرها على الخروج من السرايا وتلقي بها بقسوة في العراء.


ومن هذا العراء تبدأ في البحث عن خلاص. ويقودها المسير هذه المرة إلى بيت "النمر" وقد أصبح رمزا للموت والبعث معا. "دخلت إلى الفناء بوجل. اتجهت إلى الباب الخشبي المتهالك. أبصرت كفا مطبوعة فوقه بالدم، وضعت كفها عليها فتطابقت معها. انفتح الباب فدخلت. قابلتها عتمة شبه كاملة. أغمضت عينيها للحظة، وعندما فتحتهما كان هناك شعاع ضوء ضئيل بدأ يتسلل تدريجيا"(ص127). فهل هو شعاع الأمل في الخلاض؟ هذا هو السؤال الذي تتركه الرواية مفتوحا دون جواب. ولكنها قدمت في ثنايا التفاصيل أكثر من جواب.

عن مجلة الكلمة الإلكترونية

Sunday, March 23, 2014

Maryam’s Maze by Mansoura Ez Eldin






October 7, 2012

By Viswanathan Somanathan


I discovered Mansoura Ez Eldin through an interview of hers that I read in the newspaper. The interview was impressive and it looked like she was one of the new voices of Arabic / Egyptian literature. I haven’t read much of Arabic literature (I don’t think I have read any – shame on me!) and so I thought I will start with one of her works. I discovered that ‘Maryam’s Maze’ was her most famous work. So, I got it and I read it. It is a slim book – around a hundred pages – and I read it in one sitting. Here is what I think.





‘Maryam’s Maze’ is about Maryam who gets up one morning and discovers that she is living in a strange house. She tries to meet one of her friends and finds that her friend is missing. She has a date with her boyfriend but he doesn’t turn up. When she goes to his office, she discovers that there is no one with his name who works there. She goes back home (the strange house she woke up in) and looks at old newspaper cuttings she has, in which her boyfriend has written articles. She discovers that those articles are all missing. Maryam realizes suddenly that though she lives in the same city that she used to live earlier, she doesn’t know anyone there and all the people she knew had somehow disappeared. She is bewildered by this. At this point, we the readers are not sure whether this whole sequence of events actually happens or whether they are a part of Maryam’s dream.



After the first chapter, the story travels back and forth to the past and the present. We learn about Maryam’s family, her parents, the woman her father loves, her grandmother, her friends, her childhood. While we get a glimpse into Maryam’s past, the story also continues to tell us about Maryam’s quest for the truth about her present.



If I stand apart from the book and look at it from some distance, I can say that the book has two significant parts – a dreamy, surreal part which is set in the present and a concrete part which is set in the past. There are nine, unnumbered chapters. The chapters on the present and the past interleave with each other. The chapters on the past talk about history, life in Egypt, a little bit of politics. The chapters on the present are surrealistic, even avant garde and grab the reader’s attention with their unusual strangeness.



For me, the favourite part of the book was the third chapter. It is about Maryam’s parents, Yusif and Narges. It talks about Narges’ life when she marries Yusif, about how she learns to live as a newly married young woman, about how she is shocked when she discovers that her husband is in love with another woman at the same time, about how she manages the difficult time during her pregnancy and the aftermath. It is a beautiful chapter and it elevated the book to sublime heights. One of my favourite scenes in this chapter is when Narges discovers in the middle of the night that there are big ants crawling all over her and the reason that they are doing that is because her breasts are filled with milk. What does one do in this situation? She is upset, confused and mystified.



There are going to be some spoilers in the next paragraph, and so please be forewarned.



Another interesting chapter is the seventh which reveals part of the mystery – atleast I think it does. It has beautiful passages and wonderful thoughts and insights. I couldn’t get most of the mystery though. (I am one of those guys who had to see ‘The Sixth Sense’ more than once to find out the truth about Bruce Willis’ character.) This chapter seems to suggest that there is the real Maryam and there is the spirit of Maryam which is an independent entity, which shadows her. In his note at the end of the book, the translator Paul Starkey describes this as ‘the idea of the qarin or qarina, or ‘spirit companion,’ a concept found in the Qur’an but which undoubtedly has its origins in pre-Islamic times.’ There are also a few scenes which remind one of ‘The Sixth Sense’ – Maryam tries to talk to people or touch them but they don’t seem to be aware of her presence. It all made me feel puzzled – was Maryam dead and was this her ghost? Or is this all a dream? Or is it her spirit, her qarina, which is telling the story, while Maryam is actually sleeping comfortably at home? There is one surprise which is revealed towards the end, but I couldn’t fathom the central mystery even after the last page. This is the kind of book that will lead to a fascinating book club discussion.



It is surprising how much we can enjoy a book, inspite of not being able to understand how the central mystery is resolved. I would have been disappointed with ‘Maryam’s Maze’ if I had read it when I was younger. However, now, I loved it. Each sentence in the book is beautifully constructed, there are beautiful thoughts and ideas, the prose is exquisite. I can imagine how it might have read in the original Arabic – it must be an absolute pleasure to read. Another thing which I found quite interesting about the book was this. It would have been easy for Mansoura Ez Eldin, as a woman writer from an Arab country, to take potshots at the patriarchal establishment and portray her country in not-so-good light. International readers would have lapped it up. But she hasn’t done that. She hasn’t taken the easy way out. She has written a book where each sentence is beautifully sculpted and where the whole story is a work of art. I admire her for that. (Of course, this is my own opinion. A more informed reader might see underlying subtext in the story.)



I loved ‘Maryam’s Maze’. It is a beautiful, slim gem. I want to read other works of Mansoura Ez Eldin now.



I will leave you with some of my favourite passages from the book.



She began to count her losses, which had piled up during the years of her marriage. She had known that marriage would make her lose herself, but had nonetheless immersed herself in it totally. She had abandoned her dreams of completing a master’s thesis in English literature on William Blake, and occupied herself with the intricacies of El Tagi’s family. Only now did she return, like a soldier who had rushed into horrendous battles, only to suddenly discover that the victories had not been credited to him, but rather to his commander.



Yusif knew better than anyone that Narges was in love with herself…in love with the young girl of eighteen she had been. She would have liked herself and her experience to have stood still at that age, with her personality at the time. For this reason, despite her love for Yusif, she had never wanted to be totally in love with him, or to immerse herself in him totally. She always looked at him as a person trying to steal from her the girl she had been and whom she still loved.



Death seemed to Narges terrifying and inhuman, but despite that, she wanted to die young and without getting ill. She didn’t want to see any more evidence of the body’s betrayal. She never wanted to witness it collapse, waste away, or turn into something resembling a corpse, quite remote from the beloved if frightening body that she had lived in and grown used to.



When Maryam looked at her, the other woman wondered whether her eyes saw the world exactly as Maryam did. Did people in general, she wondered, see things around them in the same way as others? What if there were very slight differences from one person to another, which when added together might lead to alarming results, as alarming as the chasm that separated their world from hers? Was it sight that defined everything? They existed because she could see them, while she did not exist because she was outside their field of vision.



A stranger knows the cities better than those born there. He remembers their features, and is familiar with every inch of their streets. His feet cling to the asphalt when he walks over it. He does not expect the city to cast him out far away where there is no one and nothing. The stranger tries harder to belong to the city than those who are native to it, for they have no need to prove anything, but walk on in a neutral way, paying no attention to the finer details of their city, looking at strangers with an almost vulgar politeness that springs from their sense of its great superiority.

Via: Vishy the knight blogspot.

Saturday, March 22, 2014

The Rumpus interview with Mansoura Ez Eldin

By: Pauls Toutonghi



T-shirts, hats, mugs, flags, wristbands, posters, stickers, mock license plates: When I was in Cairo in March, almost every street corner seemed to offer a vendor selling January 25 Revolution souvenirs. And this commercialization was endemic. Located on Tahrir Square, the Ramses Hilton was, for much of early 2011, offering (at an elevated price) rooms with a “demonstration view.”


But is commercialization the enemy of deep remembrance? How does Egypt preserve and consecrate the memory of its revolution—the single biggest peaceful revolution of this young century—in a vital and living way?


The answer is—in large part—through words.


In today’s Arab world, novelists and intellectuals of all kinds have been at the forefront of the preservation of public memory. Suddenly there’s a huge appetite, worldwide, for Egyptian writing—writing which was neglected for much of the latter half of the twentieth century. Organizations like The Hay Festival and Shubbak (the Mayor of London’s Arab Culture Festival) have structured their programming around the voices of young Arab writers, artists and bloggers. Al-Jazeera is routinely interviewing novelists and essayists and poets to get their opinions on political questions—interviews which only sometimes touch on the artist’s work, itself. The age of the Middle Eastern writer as international public figure has roared into being.


Mansoura Ez Eldin is one of the most respected individuals in this environment. Her first novel, Maryam’s Maze, was intimately concerned with questions of genealogy, history, public memory, and madness. The book was widely-reviewed and almost universally praised. It was published, in translation, by American University of Cairo Press in 2004.


Maryam’s Maze concerns a central character, Maryam, and her attempt to negotiate an urban landscape that has suddenly lost all sense. It reads like a prescient and deeply wise document, seven years after its publication in English. The writing, which is spare and evocative, seems to suggest—through metaphor—any number of contemporary political conditions. “It’s a life of glass,” the narrative voice asserts, “a brittle life that can be smashed at any moment…” And the uprisings of early 2011 throughout the Middle East spring immediately to mind.


Ez Eldin’s second novel, Beyond Paradise, was shortlisted for the 2010 International Prize for Arabic Fiction (IPAF). Her work is forthcoming in Granta’s much-anticipated The Granta Book of the African Short Story. She replied to these questions from Cairo—even as the city was shaken by ongoing unrest and political violence.



The Rumpus: In Maryam’s Maze, you open with a scene wherein the protagonist, Maryam, seems to split into two beings: both herself and a ghost. Why did you choose a ghost?


Mansoura Ez Eldin: Is Maryam dead? Is she dreaming? Or just losing her mind? I don’t like to explain my work—or to suggest a singular interpretation for it. In the writing process, I try to leave some clues that might help the reader draw his own conclusions. Some readers believed that Maryam was a ghost, others thought that she was schizophrenic—or perhaps on the verge of insanity.


I was happy with this ambiguity because I sincerely wanted my readers to make up their own minds; I wanted to avoid a more obvious and imposed meaning. I love to take risks, to play with the reader and provoke him.


The novel was inspired by the Muslim notion of the ‘double’ or the Pharaonic ‘ka/ba’ concept of being. In Islamic culture, the ‘double’ is known as ‘Al Qarin’ or ‘the spirit companion.’ There’s a strong belief that everyone has a double, or Qarin, who is invisible.


In Islamic culture, the Qarin is supposed to be a bad spirit—but you can’t find more information about him. For example, you can’t know what happens to him after death. Or [whether] there [are] male and female Qarins or not. So, I tried to imagine the Qarin in a different way—as Maryam’s double who wants to steal her life—to steal her body and her memories. But I didn’t mention the word “Qarin” in the novel to let the reader think freely and imagine whatever he wants, according to his own culture.


The Qarin concept can be a sort of metaphysical interpretation of schizophrenia. Let’s say that the metaphysical sides of religions—and the rich oral Islamic and Egyptian heritage—are a main source of inspiration to me.


The real challenge is, I think, in finding ways to understand that wonderful heritage, to use it to interpret the world we live in. How do we tie—meaningfully—that heritage into the real life problems from which we suffer while awake?


That is what I am trying to do.


In Maryam’s Maze, for example, there is a strong tie with the techniques and the world of The Arabian Nights, but the protagonist is a young woman moving through Cairo in the beginning of the third millennium.


Rumpus: When the novel was released, you said, in an interview: “Arab readers aren’t used to this style from an Arab writer– especially from a woman. I felt like I’d committed a crime.” Can you elaborate on that idea a little?


Ez Eldin: In the writing process I didn’t think of the reader at all—so I wrote freely and without any burdens. But after finishing the novel I was uncomfortable and anxious, because I felt that the novel might come across as an enigmatic and mysterious book—and readers may consider it a real labyrinth.


Egyptian writers with few exceptions are quite loyal to realism, and don’t appreciate fantasy or horror or detective novels, as much. And, as a woman writer, readers expect you to write about specific themes in a direct way.


They don’t expect an avant-garde or an experimental Gothic piece from you—or at least this was what I thought then. So, I was prepared for indifference, but much to my surprise the novel was extremely well received by readers and critics.


Rumpus: Your second novel, Beyond Paradise, was shortlisted for the 2010 International Prize for Arabic Fiction. Over the past few years, the IPAF has quickly become the most prestigious award given to fiction written in Arabic. And yet—work on the IPAF short list is still slow to make the leap into English, especially in America. I was wondering what the status was of the translation of your second novel. Will it be issued in English soon? Why do you think that Arab writers are not as widely read, across the Atlantic?


Ez Eldin: The IPAF is the only Arabic prize that increases readership. Beyond Paradise became a bestseller in many Arab countries after being shortlisted for the IPAF. The German edition will be out next week by UnionsVerlag, the Italian edition is supposed to be out next August by Piemme Mondadori, and the Dutch edition will be out next February by MM Boeken. As for the English language, my agent will begin submitting the novel to American publishers next October.


I can’t tell why Arab writers are not widely read in America. The American publishing market seems to be really tough—especially for foreign literature. On the other hand, most of the Arab writers don’t have agents and Arabic publishers in general are not professional enough, and don’t work on promoting their publications outside the Arab world. Also, there are no official organizations that support the translation of Arabic Literature.


Part of the problem is that the translated Arabic works are not necessarily the best of the Arabic literature. Sometimes western publishers and readers search for specific themes from Arab writers—as if our literature was just a social or a political text, and not art.


Rumpus: The corollary to that question, then, is this one: Books take years to write. They take even more years to copy-edit, assemble cover art, print, publicize, etc. How can they have relevance in our contemporary world—where everything seems to happen so quickly?


Ez Eldin: Believe it or not, I’m always thinking about the contrast between books and the quickness of our modern world. I reckon this contrast is the reason behind the importance of books in our life.


In a highly rapid world we need to take a breath through reading. Reading in this case becomes a sort of meditation or yoga. However, when I associate books with slowness, I don’t only mean the long time we need to produce a book—I particularly mean that books, especially novels, look like a slower version of our real world.


Writing is a sort of capturing of a special moment or period of time and then, that moment’s deconstruction. Then, the moment is restructured, rebuilt—in the search for more understanding. By writing and reading we praise slowness and creativity.


Rumpus: In The New York Times, on January 30, 2011, you wrote an op-ed piece that concluded: “Silence is a crime. Even if the regime continues to bombard us with bullets and tear gas, continues to block Internet access and cut off our mobile phones, we will find ways to get our voices across to the world, to demand freedom and justice.” This was obviously written two weeks—roughly—before Mubarak’s resignation. The regime fell—but has the progress been as extensive as you would have hoped? Have the demands for freedom and justice been met, in your opinion?


Ez Eldin: Our revolution is still unfinished!



Obliging Mubarak to resign was the first and the easiest part of the revolution! Our demands for freedom and justice have not been met yet.


Two days ago (Tuesday 28 June) there were clashes in Tahrir Square between the families of the martyrs and the brutal police force—there was tear gas and rubber bullets as if Mubarak’s regime didn’t fall.


This is a sad thing for sure, but at least, we’ll resume our revolution and will be back to Tahrir Square and other squares.


I’m full of hope that we can face all this violence in a peaceful and civilized manner, as we did before. Too much has happened beginning from 25 January until now. There is no way back to the past. The spirit of the revolution cannot be conjured back into the bottle.


As a friend of mine put it: Now we have a treasure, we have the memory of a unique and victorious revolution—which will keep up the people’s courage. Against all odds, I’m pretty optimistic concerning the future of Egypt.


Rumpus: In America, fiction writers struggle for relevance. There is no substantial fear of persecution—based on the things you publish. How much does this impact the work of a fiction writer—the fear that the work could be ammunition for some kind of campaign against you?


Ez Eldin: In countries in which a writer can pay dearly—maybe with his own life—because of his thoughts, words acquire an additional importance, and writing, as an idea and a practice, resembles walking blindfolded in a mine field.


The best thing you can do in this case while writing is to ignore everything outside your work. As a writer you should practice killing your internal censor—practice forgetting about potential readers.


As a matter of fact, the censorship issue in Egypt is really complicated. On one hand, there’s no pre-publishing censorship in Egypt. But on the other hand, there are many sorts of more dangerous, covert censorship. That is, there are many gate keepers who function as covert censors.


The daring independent and small publishers—like Merit Publishing House—were the lungs that helped Egyptian literature to stay alive, vital, and daring. The works of new Egyptian writers are really daring on all levels.


Rumpus: What are you working on, now?


Ez Eldin: I’ve just finished a new collection of short stories entitled, The Path to Madness, that will be out in Arabic within two months.


A story of this collection will be included in The Granta Book of the African Short Story, edited by the Nigerian writer Helon Habila.


I’m also in the middle of writing a new novel entitled, The Mountain of Life.


The interview was published in the Rumpus Website.. July 12th, 2011.