حسن عبد الموجود
تؤمن منصورة عزالدين
بأن الإنسان «مفرد بطبعه»، وأن «وحدته قدرٌ»، بعيدا عن العواطف، الإنسان بالنسبة
لها يأتي وحيدا ويغادر وحيدا. كانت منصورة شديدة التعلق بأبيها، ولكنه، مع الأسف،
رحل وهي في عامها التاسع. تتذكر عمرها بالضبط: «كان لديَّ تسع سنوات، وأربعة أشهر،
وخمسة وعشرون يوما، كان يصطحبني إلى كل مكان، ولا نفترق فعلا.. نشأت وسط أصدقائه
ومعارفه، ولكنه اختفى فجأة، وهو ما ترك لديَّ شعورا بالخوف من التعلق بأحد، وأن
تجمعني بشخص علاقة إنسانية عميقة، لقد فتحت عيني على فكرة الحياة والموت، وقد كان
هذا مخيفا إلى أقصى درجة».بدأت
منصورة في تجاوز الأمر بمرور السنوات، وكان بديلها «أحلام اليقظة». كانت تبتكر
سيناريوهات تعيد أباها إلى الحياة، تضعه في عالم مثالي، ولكن فكرة الموت لم
تفارقها عموما، فقد فاجأها الموت باختطاف ابن عمها في حادثة، وكذلك أختها الصغيرة
ياسمين التي أهدت إليها مجموعتها «ضوء مهتز». كانت فتاة جميلة جدا، كما تصفها
منصورة، جميلة بشكل غير معتاد، وهكذا انفتح عقلها على أسئلة تتعلق بالحياة والموت.
منصورة منعزلة إلى حد كبير، ربما كانت بدايتي معها من هذه النقطة محاولة لتفسير سبب ابتعادها الدائم، حتى، عن المقربين منها، ومنهم أصدقاؤها. تعترف مبدئيا بأن هناك عزلة: «لديَّ أصدقاء بالتأكيد، ولكن لا أشعر أن لقاءهم من ضمن شروط الصداقة، ظروفي لا تسمح بأن أكون متواجدة جسديا، الموضوع بدأ مع تحولي إلى أم، بالإضافة إلى عملي الصحفي، وفكرة البعد تحولت إلى عادة. كان هذا مريحا في الحقيقة، ولكن الفيسبوك مكَّنني من تعويض شيء مما يفوتني، التواصل ولو عن بعد. وبالطبع بعض الناس يتضايقون، وربما يفكرون في أنني أتعمد تجاهلهم، ولكنني لا أستطيع شيئا حيال الأمر».
بدأت العزلة مع
منصورة منذ الطفولة، رغم أن كل المؤشرات كانت تقول إنها يجب أن تكون شخصا آخر،
وعلى سبيل المثال كانت لها شعبية كبيرة في فصلها، حينما تغيب تُفاجأ بأن زملاءها
بالكامل قطعوا مشوارا من قرية إلى أخرى ليزوروها ويسألوا عنها. كانت تقضي فترات
طويلة بمفردها، ولاحظت الأم ذلك الأمر، وكانت تُجبرها على الذهاب إلى المدرسة
أحيانا، لأنها شعرت بأن ابنتها ميالة إلى الوحدة. كان كل ما ترغب فيه هو أن تختلي
بنفسها لترسم وتقرأ ولا شيء آخر. تقول منصورة: «كان لي أصدقاء كثيرون بالمعنى
العام، أو بالنظر إلى من يهتمون بي من الزملاء في المدرسة، كان الطلبة يختارونني
في كل عام أمينا للفصل، ولكن لم تكن لي صداقة قوية باستثناء صداقتي لفتاة تدعى
نجوى استمرت معي حتى نهاية الثانوية وافترقنا حينما سافرت هي إلى الخارج، وأنا إلى
القاهرة».لم تنشغل
منصورة بفكرة تعريف الصداقة، ولكنها متأكدة من أن لديها صداقات عميقة، حينما تقابل
أصدقاء لم تقابلهم منذ سنوات يستعيدان معا تفاصيل مشتركة، ويتعاملان كأنهما كانا
معا بالأمس.
كانت القراءة هوايتها المفضلة، والجزء الممتع من طفولتها، وحينما التحقت بالمدرسة لم تكن قادرة على قراءة حرف واحد، في الوقت الذي وجدت فيه زملاءها يحفظون القرآن بالكامل، كان هؤلاء الزملاء مدرسين صغارا، يجيدون القراءة والكتابة، كان هذا هو المستوى، وقد جاء التحدي أخيرا حينما طلب منها المدرس النهوض لقراءة الدرس. صمتت الطفلة منصورة وربما لم يكن هناك شيء يدور في ذهنها إلا الإحساس بأن الإحراج قادم لا محالة، وهو ما تحقق فعلا، سخر منها المدرس، خصوصا وأنها الابنة المدللة لأبيها وربما للعائلة بأكملها، وقررت الدخول في تحد. بدأت التعويض، بقراءة الجرائد كالأهرام، وتعرفت على أهم الكتاب المصريين من خلال الجريدة، مثل أنيس منصور، وأحمد بهاء الدين، كما قرأت سلسلة «الثورة الفرنسية» التي يكتبها لويس عوض، وقرأت ألغاز الجيب، مثل «رجل المستحيل» أدهم صبري، وروايات شيرلوك هولمز، وأجاثا كريستي، وأرسين لوبين، وبالطبع بدأت في انتقاء الكتابات التي تتحدث عن الحياة والموت بسبب تفكيرها الدائم في رحيل أبيها، وفي سنة «5 ابتدائي» وقعت في يدها رواية «حديث الصباح والمساء» لنجيب محفوظ، ولكن قراءتها ستتأجل حتى الصف الأول الإعدادي، كان هناك مدرس يحضر نسخا مختلفة من أعمال محفوظ، وكان يمنح كل طالب عملا وحينما ينتهي منه يستطيع كل منهم استبداله مع زميله، تتذكر منصورة أنها استبدلت «الشحاذ» بـ«السمان والخريف» من صديقتها التاريخية نجوى، وتقول: «بدأت البحث عن يوسف إدريس، كما بدأت قراءة سلسلة (كتابي) لحلمي مراد، وفي الإعدادية أعطتني نجوى مجموعة قصصية وجدتها عند أحد أقربائها لإدجار آلان بو، طبعة غريبة مكتوب عليها ألغاز إدجار آلان بو، كانت بها تعبيرات لاتينية أحببتها، كما وجدت نجوى عددا قديما من مجلة العربي يحتوي على ملف عن ألبير كامو، كان نقطة تحول بالنسبة لي، حيث عرفت معنى الفلسفة الوجودية من خلاله، كان يجيب عن الأسئلة التي أطرحها عن الحياة والموت. لم أكن أبحث عن كاتب أحبه، ولكن عن كاتب يجيب على تساؤلاتي، القراءة لم تكن منتظمة بالطبع، وكانت تخضع للصدفة، وأخي على سبيل المثال حينما كان يذهب إلى طنطا كان يبحث عند بائع الجرائد عن كتب جديدة يحضرها لي. كانت القراءة نشاطا ممتعا بالنسبة لي ولم أفكر وقتها أبدا في أنني سأصبح كاتبة».
بدأت منصورة كتابة
الرواية البوليسية في الابتدائية، ولكن لم يكن الأمر جديا، حتى قابلتْ مدرس اللغة
الإنجليزية الأستاذ محمد العزب الذي يحب القراءة. سأل مرة: «مين في الفصل
بيكتب؟!». لم تكن منصورة تكتب فعليا، ولكنها كانت تتخيل الأمر أحيانا، أنها قد
تصير كاتبة، وهكذا قررت رفع يدها، ونظر إليها باندهاش، وسألها بمحبة: «بتكتبي من
ورايا؟! هاتي نماذج من كتاباتك بكرة». أحضرت منصورة كراسة ثم بدأت في تأليف قصائد.
تعلق ضاحكة: «كان شعرا ما أنزل الله به من سلطان»، لكن المدرس تعامل مع الأمر
بجدية شديدة، كان يعرف العَروض جيدا، وأحضر لها كتبا لتتعلَّمه. جاءت الثانوية
وفكرت في مستقبلها. كان حلم أمها لها أن تصبح طبيبة، وكان أمامها إما دخول كلية
الطب أو الصيدلة. أحبت الكيمياء جدا، وحلمت أن تدرسها بتوسُّع، ولم يكن أمامها إلا
كلية العلوم وقيل لها وقتها «آخرك هتبقي مُدرِّسة علوم»، وبسبب نصف درجة وجدت
المجموع يناسب «هندسة طنطا»، ولكنها لم تحب ذلك الأمر، وكانت تفضل إما عين شمس، أو
الإسكندرية، ثم انتهى بها المطاف أخيرا في كلية «الإعلام»، بعد أن قال لها أخوها:
«بتتعبي نفسك ليه؟! انتِ بتحبي القراية، فروحي إعلام». تتذكر: «لو كلية الإعلام لم
تقبلني لكانت السنة راحت عليَّ، في هذا العام كتبت أول قصة في حياتي، كان عندي 18
سنة، وعنوانها (لنا موعد) تتحدث عن قرية يأتي إليها البدو في الصيف، وطفل له علاقة
عاطفية بهؤلاء البدو. كانت بداية معقولة».
استمرت منصورة أثناء الجامعة في كتابة القصص، غير أنها لم تعرض ما تكتبه على أحد باستثناء أصدقائها المقربين، كانت تقول لنفسها إن هناك شيئا ناقصا، ويجب أن تبحث عما يطوِّر من أدواتها، كانت تتهيَّب فكرة الكتابة عموما، وتراها شيئا كبيرا، وبالصدفة عرف، أحمد حامد، أحد زملائها، السر، وطلب منها أن يقرأ بعض القصص ولكنها رفضت وأمام إلحاحه منحته قصة، وأرسلها من ورائها إلى مسابقة كان يفوز بها لمدة ثلاث سنوات متتالية، ثم فوجئت بمعيدة في «دار العلوم» تبحث عنها وتخبرها بأنها فازت بالمركز الأول في المسابقة، وطلبت منها مقابلة لجنة التحكيم: «كنت مندهشة جدا من سلوك زميلي، وقابلت عضوي اللجنة محمد جبريل ومدحت الجيار اللذين انهالا عليَّ بالمديح. كانت لحظة مؤثرة جدا».
تتذكر منصورة مقابلتها لسعد القرش وميرال الطحاوي في المؤتمر الذي كان يُقام بالجامعة. هل كان سعد في لجنة التحكيم؟ تسأل نفسها وتجيب: «مش متأكدة». سعد عموما نشر لها بعد ذلك في الأهرام، كما نشر لها محمد جبريل في «المساء» وفي «مجلة القصة»، ومن خلال ندوة جبريل قابلت نجلاء علام ومنال السيد وسيد الوكيل ومحمود الحلواني وأحمد شافعي ومحمد عبدالنبي: «لكن لم نتحدث في هذه الفترة»، ثم فازت القصة بالمركز الأول أو الثاني على مستوى جامعات مصر، وكانت الجائزة تحمل اسم يحيى حقي وهو ما أسعد منصورة جدا، ثم جاء الدور على «محمد البساطي» الذي كانت تحب كتاباته. قابلتْه في «زهرة البستان» هي وزميلها أحمد حامد لإجراء حوار معه لمجلة «صوت الجامعة». وافق البساطي ليعرف إن كان طلاب الجامعة يقرؤونه فعلا أم لا، ومن خلال أسئلتها عرف أنها تكتب، وسألته هي ببراءة: «حضرتك عرفت ازاي؟!»، فأجابها: «باين جدا، وماتقوليش إنك مش بتكتبي!». المهم أنها أعطته نسخة من قصة لها، ووجدته متحمسا جدا لها ويحكي لكل من يصادفه عنها، ثم أرسل قصة لإبراهيم أصلان نشرها في الحياة اللندنية، ثم طلب منها أصلان بعد مدة قصصا أخرى: «كان البساطي يعيرني كتبا بانتظام، وقرأت من خلاله معظم الأدب العالمي، ثم أشاع عني أنني لا أعيد الكتب، وانتشرت هذه الشائعة في أوساط الستينيين».
سيطر هاجس المرض على منصورة بعد وفاة أمها بالسرطان، لم تتخلص من هذا الهاجس نهائيا ولكن تسامحتْ معه: «استيقظت مرة وأنا متأكدة أنني أُصبت به، ظللت بهذا الهاجس ثلاثة أيام حتى أكدت التحاليل كذبه». هواجس الطفولة كانت لها علاقة بالأمور غير العقلانية، كالخوف من الظلام: «كان هناك مجموعة من الحكَّائين مثل جدتي وجدي لأمي، كانوا بارعين في حكي قصص الأشباح، وجنيات النيل». منحها ذلك قوة التخييل، عاشت مع المشاهد التي تخلقها حكاياتهم أجواءً من الغرائبية والكابوسية، وحتى حينما بدأت في الكتابة كانت حكاياتها غرائبية. عمها الأصغر كان يحفظ السيرة الهلالية، والأكبر كان مهووسا بقصص الأنبياء، ما كان له تأثير على خيالها أيضا. تقول منصورة: «في طفولتي كانت قصصي قائمة على فكرة تحليل الخوف، كأنها رد فعل على الهواجس التي تحيط بي، وأحيانا كان الخوف غير منطقي وليست له أسس صلبة، كان أقرب إلى هلاوس أو جنون ما، وقد ظهر في أعمالي بعد ذلك، يمكن أن تنظر مثلا إلى صوفيا في (متاهة مريم) وبدر في (وراء الفردوس) وسلمى نفسها التي كان لديها شعور بأنها غير طبيعية، وأيضا لا تنس شخصية المتشرد الذي يلامس سلوكه الجنون في (جبل الزمرد)، نعم، لا يهم أن يكون هناك منطق خلف هذا الخوف».
لا تحب منصورة التصنيف الجيلي، تقول مع ماركيز إن الكتابة أكثر المهن فردية، كل كاتب له هواجسه وأفكاره، ولكن، بحسب منصورة أيضا، قد يتصادف أن مجموعة كتاب لديهم نظرة متقاربة إلى الكتابة. تقول: «من الممكن أن تكون عندي قرابة لكاتب عاش قبل عقود في بلد آخر من كاتب عاش في نفس بلدي، الجيل هو محاولة لوضع إكلشيهات حول مجموعة من الأشخاص بدون اجتهاد لتحليل أو لفهم عالم كل كاتب بمفرده».تعشق منصورة بورخيس ورؤيته للكتابة، ومفهومه «الكتابة على الكتابة». ترى أنه يتعامل باعتباره قارئا، وتحب انفتاحه على الثقافات الأخرى بما فيها العربية، ويأتي كورتاثر على نفس المستوى، تحب غرائبيته ومزجه بين ما فوق الطبيعي والواقعي «بالأدق روح اللعب عنده»، ثم كافكا كما يتحدث عنه كونديرا «والنقلة التي أحدثها في الفن»، وكونديرا نفسه في فترة من الفترات. أسألها «هل انقلبتِ عليه؟!» وتجيب: «لم أنقلب عليه ولكن لم يعد يعجبني كالسابق، حينما تقرؤه كاملا وتمعن في كتابته تجد أن عنده وصفة يطبقها على كل شيء، إذن ما الجديد؟! نحن نتحدث عن أساتذة الفن الروائي ولهذا نطلب ما هو أبعد وليس وصفات»، وتضيف: «كونديرا له مقولة جميلة، أن العمل العظيم هو الأذكى من كاتبه، ولكنه لم يطبق مقولته على نفسه، لأن عقله هو المسيطر دائما، وعموما روايته (الخلود) من أهم رواياته، وحقق فيها ما لم يستطع في (خفة الكائن) بطريقة أكثر صفاء ونعومة فنية».
لا تحب ماركيز، وتقول إنها تحترم قدراته الحكائية والبنائية، لكن لا ترى أنه كاتب عميق، ولا توجد لديه أفكار إنسانية أو فلسفية كبرى تقف عندها، وإذا كان يركز على «الحدوتة» فإن بعض الكتاب العظام يركزون على أمور أخرى، ففي رواية كبرى مثل «الطبل الصفيح» يبدأ جونتر جراس من غرائبية أوسكار الذي لا يكبر، ويحلل صعود النازية في ألمانيا، ويطرح أسئلة فلسفية عميقة انطلاقا من أوسكار نفسه، والعظيم في تلك الرواية أيضا، بحسب منصورة، أن شخصياتها يمكن رؤيتها في أي مكان بالعالم. تقول بجدية شديدة: «هناك شخصية من تلك الرواية رأيت من يشبهها في قريتي»، تتحدث أيضا عن دوستويفسكي: «قرأته في الجامعة، وهو مثل كافكا، يجبرانك على إعادة النظر إلى العالم».
تحب منصورة النباتات، ولا يخلو عمل لها من استعراض جنَّةٍ خضراء تتخيلها بمحبة وبحنو، هي التي لديها خبرة كبيرة بالمجتمع الريفي: «كنت أعلِّم الأماكن بالأشجار، بيت العائلة كان أمامه بستان خوخ، كما كنت أعرف مواعيد الإزهار والطرح، جزء من تواصلي مع أبي كان بالأساس من خلال معرفته التي نقلها إليَّ عن تلك النباتات، جدي لأمي كانت لديه بساتين ممتدة من البرتقال، والموالح عموما، واللوز». تضيف: «ارتباطك بالنبات حُب لا يمكن تبريره، وأنا أكتب (وراء الفردوس) كنت أكتب عن مجتمع ريفي وأردت نقله بأساطيره ونباتاته وخرافاته وروائحه. كان كل شيء مقصودا في هذا العمل، حتى التشبيهات من عينة: فستان بلون وريقات الفول الأخضر. كنت أريد للقارئ أن يشاهد هذا العالم كما ينبغي، بحيواناته، وبثعابينه التي تزحف في التراب».
تحب منصورة السينما أيضا، لم تفوت فيلما عُرض منذ منتصف الثمانينات وحتى منتصف التسعينات على التلفزيون إلا وشاهدتْه: «أستطيع ادعاء هذا، كنت أتابع جيدا خاصة في (أوسكار، ونادي السينما، وبانوراما فرنسية)، كنت أحب سينما الخمسينيات والستينيات، وربطتني السينما بالأدب تماما، وأتذكر على سبيل المثال فيلم (قطة على صفيح ساخن) كانت المذيعة تشرح في مقدمة البرنامج وقبل عرضه أنه عن مسرحية لتينيسي ويليامز فأسعى لقراءة ويليامز، وعرفت أيضا أن فيلم (شرق عدن) مأخوذ عن عمل لجون شتاينبك، ثم بعد مشاهدة (صيف طويل حار)، بحثت عن قصتي ويليام فوكنر اللتين تم إعداد الفيلم عنهما، السينما كانت مصدرًا للتثقيف في طفولتي، وقد أحببت أفلاما عظيمة وأعود إليها في بعض الأحيان مثل (ذهب مع الريح، وقصة الحي الغربي، والطيب والشرس والقبيح) وكل أفلام بول نيومان، والويلزي ريتشارد بيرتون خاصة (من يخاف فيرجينا وولف)، والأفلام الإيطالية والفرنسية وأحب جدا أعمال المخرج البريطاني جاي رتشي، وأيضا الإسباني بيدرو ألمودوبار، والأمريكي ديفيد فينشر، وأيضا لا أنسى الأمريكي ديفيد لينش».. وفيما يتعلق بالفن التشكيلي كانت منصورة مأخوذة بشاجال، وأحبت ماجريت، وحامد ندا، وهي تسمع كل أنواع الموسيقى. أما طموحها فأن تظل تكتب: «أريد عملا في كل مرة أفضل من سابقه، لو حصل على نجاح وترجمات فهذا شيء عظيم، ولكن ما يعنيني أن أكون مقتنعة بأنني قدمت جديدا، أي شىء أقوم به مُعرَّض لعدم الاكتمال، فأنا شخص كسول للغاية، مجموعتي (ضوء مهتز) على سبيل المثال نشرتها بإلحاح من ياسر عبدالحافظ، (نحو الجنون) ظلت مركونة عامين كاملين ولم أسأل عنها، وهو أيضا ما حدث مع (جبل الزمرد) التي سحبتها من المطبعة وأجلت نشرها لأكثر من عام، ولكن عموما أتمنى الاستمرار في الكتابة».
وأخيرا ما الصفة التي تعبِّر عنكِ؟! أسأل وتجيب: «التخلي، يمكنني التخلي عن أي شيء خارجي، ربما لهذا علاقة بفقدان الأب مبكرا، لقد درَّبت نفسي على الأمر، وعرفت بعد ذلك أن التخلي هو ما يجلب الأشياء إليك، عدم الاكتراث مفيد للغاية، لأنك لا تخشى في هذه الحالة من الفقد، ثم ستكتشف أنك ستحصل في النهاية على ما تريد، ولن تهتم كثيرا إن لم يحدث هذا. لقد شعرت بالراحة حينما توصلت إلى هذه القناعة لكن التوصل إليها لم يكن بتلك السهولة أبدا».
نقلاً عن جريدة عُمان