Thursday, May 1, 2014

في مواجهة الأسود الغامض


منصورة عز الدين

في رسالته الأولى عبر صفحته الرسمية علي موقع الفيسبوك، يوم 17 فبراير 2011، نصح المجلس الأعلى للقوات المسلحة المتظاهرين بعدم ارتداء الزي الأسود خلال التظاهر!

هذه النصيحة العابرة، بدت وقتها، غريبة وخارجة عن السياق بل ومضحكة. ففي ظل الاحتفالات بإسقاط مبارك والاستعداد لمليونية 18 فبراير المبتهجة، جاءت رسالة المجلس الأولى لتخبرنا، ضمن أشياء أخري، أن "حرية التظاهر حق مكفول للجميع دون اللجوء لثقافات غير مصرية لم تولد على أرض مصر مثل ارتداء الزي الأسود خلال التظاهر"!

ولمّا لم يكن للزي الأسود من دور بارز خلال الثورة، ولمّا كنا ثملين بالنجاح السريع في القضاء على رأس النظام، ومتأثرين بالتحية العسكرية التي أداها اللواء محسن الفنجري للشهداء قبلها بأيام، لم ينتبه معظمنا إلي التحذير "العطوف" من "مخاطر" اللون الأسود. 

قرأت الجملة، وقتها ضاحكةً، وتتالت على رأسي صور آباء "طيبين" يربطون الأردية السوداء بثقافة  يخافون منها. "شباب يرتدون الأسود، هم مصدر خطر ولا شك". هكذا يقول بعض الآباء لأنفسهم وهم يستحضرون أفكاراً نمطية مكرورة عن "الإيموز" وعبدة الشيطان وموسيقي "الهارد روك" و"الهيفي ميتال"، وثقافة كاملة يرون فيها تهديداً مباشراً لهم ولما ألفوه واعتادوا عليه. لكن لماذا تذّكر العسكر هذا اللون "الشرير" مع أنه لم يكن مسيطراً بشكل خاص خلال الفترة من 25 يناير إلي 11 فبراير 2011؟!


عندما أعيد قراءة هذه الرسالة الآن، بأثر رجعي، لا أجد إلاّ احتمالاً واحدا. هو أنهم يخاطبون، من بين كل الثوّار، أعضاء حركة 6 أبريل وصفحة "كلنا خالد سعيد" علي وجه التحديد.

فالدعوات لإضراب 6 أبريل 2008 طلبت من المواطنين البقاء في بيوتهم، ومن يضطر للخروج، عليه ارتداء اللون الأسود، وهو ما حدث بالفعل. في هذا اليوم كانت الشوارع شبه خاوية، وكثير ممن ذهبوا لأعمالهم اضطراراً حرصوا على ارتداء ملابس سوداء. بعدها شاع ارتداء اللون الأسود في الوقفات الاحتجاجية الصامتة حداداً على مقتل خالد سعيد وكل ضحايا التعذيب في مصر.

لكن بعيداً عمّا إذا كان من كتب هذه النصيحة يربطها بالفعل بالحركات الاحتجاجية السابقة على الثورة أم لا، فالمؤكد أنها كانت الإشارة الأولى  لوصاية أبوية حرص عليها المجلس الأعلي للقوات المسلحة في تعامله  مع الثوّار والمدنيين بشكل عام.. وصاية أتاحت له أن تأخذ سياساته في أحيان كثيرة صورة قرارات فوقية ذات اتجاه واحد.

منذ 17 فبراير إلى لحظتنا هذه، حدثت تقلبات عديدة، حوّلت النصيحة الأبوية المقنَّعة بالحنان إلي إصبع مهدِد متوعد، وحوّلت المجلس   إلي تابو لا يجوز الاقتراب منه أو التعليق عليه.  لكن تبقى حقيقة واحدة هي أن ما حدث ثورة شعبية عظيمة، أطلقت روحاً من المستحيل قهرها. ثورة لن يقبل من قاموا بها الرجوع بالزمن إلى الخلف.

نُشِرت في "أخبار الأدب" بتاريخ 23 يوليو 2011، وأعيد نشرها هنا بمناسبة الحكم القضائي بحظر حركة 6 أبريل.

No comments:

Post a Comment