Friday, October 3, 2014

جبل الزمرد، شهرزاد وهي تروي حكاية معاصرة


 فايز علام

كطائر عنقاء تحلق "منصورة عز الدين" فوق رماد حكاية طردها الرواة من "جنة الليالي"، حرّفوها، زوّروها، وأهملوها، لتأتي هي وتحملها بحنوٍ بالغ، تهدهدها، تندمج بها، تناورها، تلعب بها ومعها، ثم باحتراف نسّاج ماهر تلضم ما تفكك من خيوطها، تزيل الزائد، وترمم الثقوب، وبصبر أمٍّ حنون، تضفر بخيوط حريرية شعر ابنتها، تشبك الحكاية القديمة التي تعود إلى زمان "ألف ليلة وليلة" مع حكاية حديثة تجري في القاهرة 2011، مرة تضع خصلة الشعر الأولى فوق الثانية، ومرة الثانية فوق الأولى. الاثنتان تصبحان جديلةً واحدة، فتزيّن آخرها بعقدةٍ من زمرد، تبتعد ببطء، تنظر إليها وتبتسم بمكر: هذه الجديلة "أحجية تخبّئ بداخلها السر بينما تتظاهر بكشفه"!
في "جبل الزمرد" توهمنا الكاتبة أن ثمة حكاية ناقصة من كتاب "ألف ليلة وليلة"، وأن هذه الحكاية هي المفضّلة لدى "شهرزاد"، حكاية خضعت للكثير من التحريف والتحوير، ثم بمرور الزمن حُذفت من الكتاب الأصلي، حكاية تحكي قصة أميرة واقعية اسمها "زمردة"، "لم تعرف شهرزاد أن خبر زمردة، كما وصلها وكما حكته لشهريار، لم يكن إلا تحريفاً مشؤوماً لقصة حياة أميرة واقعية عاشت ذات يوم في جبل قاف السحري، حياة تلاشت ولم تخلّف وراءها سوى حكاية خضعت لتحريف مستمر، وتنتظر من يخلّصها مما علق بها من آثار التشويه ويحيي ما مات من أجزائها، أو أغرق في ضباب النسيان".
الرواية كلها، تُروى على لسان "بستان البحر" أو "كاهنة الأبيض والأسود"، التي ولدت قرب قلعة آلموت في إيران، وهي ابنة واحد من النسّاك السبعة المتحدرين من جبل قاف المتبقّين. و"بستان البحر" منذورة لهدف محدد، أن تبعث "زمردة" من رماد احتراقها، عبر تنقية سيرة حياتها مما أصابها من تحريف وإعادتها إلى متن "ألف ليلة وليلة"، عندئذ فقط يمكن أن تبطل لعنة الجبل السحري، فيرجع إليه أهله بعد قرون من التيه.
هكذا تبدأ بملاحقة الصيغ المختلفة للحكاية، تسافر وراء هدفها، وتجمع المخطوطات، تقارن بينها، تطرح كل الاحتمالات لتصل إلى الصيغة المثلى.
بحثها يقودها إلى "كريم خان" تاجر المخطوطات الذي يعيش في فيينا، ويمتلك إحدى المخطوطات الهامة في الحكاية، لتكتشف أنه ابن أحد النسّاك السبعة أيضاً، وأنه يسعى وراء هدفها نفسه. وبعد نقاشات طويلة ومحاولات عديدة، يتوقفان عند نبوءة غامضة: "تلك النبوءة الغامضة عن خاتم زمرد ضائع وفتاة جامحة في مدينة ترتجف، وامرأة تضحك لها المرايا".
هذه الفتاة الجامحة لن تكون إلا "هدير" التي تعيش في القاهرة مع جدتها، وأما المرأة التي تضحك لها المرايا فما هي إلا أمها "ناديا"، والخاتم الذي أضاعته "هدير" في طفولتها سيحوّل مصيرها وحياتها دون أن تدري!
في البداية، تبدو سيرة "زمردة" حكاية مستقلة عما يحدث في 2011 من عملية تنقية الحكاية وإعادة كتابتها، لنكتشف مع مرور الصفحات أن الحكايتان تتداخلان بحبكة متقنة، وأن الشخصيات التي تعيش اليوم تكرر أفعال أسلافها ضمن عوالم متوازية لا مجال للتفرد فيها.
الاشتباك بين الرواية و"ألف ليلة وليلة" لا يتوقف عند حدود خلق حكاية "جبل الزمرد" وسردها، بل يتجاوزها إلى أماكن أبعد، فمن الناحية الفنية، سنلاحظ تناسل الحكايات من بعضها، وتعدد الأصوات ضمن هذه الحكايات، تماماً كما في الكتاب الأصلي. ومن ناحية المضمون ستسحرنا العوالم الغرائبية بكل ما فيها من خيال، لا حدود له يتوقف عندها، هكذا سنقرأ قصة "نورسين" التي اختطفها الملك لتعيش معه في جبل قاف السحري، وتنجب له ابنة: "زمردة"، وقصة عملاق يرحل من مدينة الشمس ليبحث عن الليل، قبل أن يصاب بالعمى، ويذهب إلى جبل المغناطيس ليسترد بصره، هناك حيث سيلتقي ببلوقيا التائه في الزمن، والمرتحل وراء رؤية شاهد فيها أميرة غاية في الجمال.
كما سنقرأ عن أرض الجنيات، وعن "مروج" التي ورثت من أمها مهارة البحث والتدوين، والتي ستقوم بتدوين سيرة "زمردة" في رقوق سيظن الجميع أنها سبب اللعنة التي حلّت بالجبل، والتي لن يفكّها إلا أن تقوم "مروج" بحرق الأميرة، لتتمكن فيما بعد من بعثها من رماد احتراقها، حين تتمكن من تدوين الحكاية من جديد.
الرهان الأساس في "جبل الزمرد" هو: كيف يمكن تقديم حكاية من "ألف ليلة وليلة" بحلة جديدة وأسلوب جديد في رواية حديثة تثير قارئ اليوم، وكيف يمكن الجمع بين التراث والحداثة، بين شخصيات خرافية وشخصيات واقعية تعيش بيننا، وما هي الطريقة لمزج أحداث خيالية بأحداث نعايشها كل يوم، ربط ما هو تاريخي بما هو آني، للكشف عن تلك الحيوات المتوازية المتكررة بأحداثها إلى ما لا نهاية؟
هذا الرهان، ينطوي على الكثير من التحديات الكبيرة، سيكون أصعبها تحدياً من عيار: "التشابك مع الليالي ومحاورتها"!
هنا، لا وجود لحلٍّ وسط، فإما الفشل والتكسّر أمام عظمة الكتاب الذي كان وما يزال يلهم مئات الروائيين، أو إبداع نصٍّ فريد، يجدد ذكرى القديم ويحيي ألقه. وأعتقد أن "جبل الزمرد"، كسبت الرهان!

المؤلفة: منصورة عز الدين/ مصر
الناشر: دار التنوير/ بيروت – القاهرة – تونس
عدد الصفحات: 220
الطبعة الأولى: 2014
* عن موقع رصيف22


No comments:

Post a Comment