العنوان
الفرعي لهذا العمل، من القاصة والروائية المصرية منصورة عز الدين (صاحبة «ضوء مهتز»، «نحو الجنون»، «جبل
الزمرد»، وراء الفردوس»، و»أخيلة الظل»)، يشير إلى «متتالية قصصية». إنه، بالتالي،
يفتح السرد على امتياز التعدد (في الموضوعات والشخوص والأمكنة والأصوات)، ولكن ضمن
التتالي (الذي يحيل، بدوره، إلى صيغة تعاقب غير مشدودة الوثاق، عن سابق قصد فني بارع).
لا تكتفي عز الدين بهذا المسار، الشاقّ لتوّه، بل تذهب به إلى منطقة إسباغ
الفانتازيا على متخيلات مكتسية أصلاً بالغرابة؛ في مستويات الشعور والسلوك
والتواصل والتفاعل لدى البشر، أسوة بحركة الرموز والمعاني المتلاطمة في عناصر
الجماد والكائنات والطبيعة.
هنا فقرات من نصّ بعنوان "أوديسا الفراغ":
"أول
وآخر ما أتذكره أنه في مكان ما في هذا العالم المخاتل كان ثمة جبل وغابة وبحر،
وأنني تهت بينها. لا أعرف أصلاً إن كنت أنا الشخص نفسه الذي وقف حائراً للحظات بين
الخيارات الثلاثة. أو ربما أنا إياه، لكن هذه الذكرى برمتها محض اختلاق، وسرعان ما
ستتلاشى كما تلاشت أمنيتي الحارقة بالانقسام إلى ثلاث ذوات تتجه كل واحدة منها
وجهة مختلفة للأخرى، قبل التلاقي عند نقطة ما، والاندماج في كيان واحد محمّل
بخلاصة خبراتها ومشاهداتها، حتى إنْ لم يعِ تفاصيل ما مرّت به الذوات المكوّنة له.
فيم كنت أفكر لحظتذاك؟
ربما رجوت أن يكون ما أراه أمامي
سراباً، ولهذا فقط بزغ اسم "جنية السراب" في ذهني متحدياً اعتلال ذاكرتي
ومتغلباً عليه. صارت تلك الجنية فجأة
هاجساً مستحوذاً عليّ. انبعثت أمامي كطيف لا يمل من خلق نفسه وتبديدها قبل إعادة
خلقها من جديد. بدا كل ما يخصها ساطعاً في ذاكرتي وسط محيط شاسع من النسيان".
دار ممدوح عدوان، دمشق ـ دار سرد،
بيروت؛ 2018.
No comments:
Post a Comment