Monday, August 1, 2016

عن استحالة الحب؟!





منصورة عز الدين


في خاتمة ملحقة بالترجمة الإنجليزية لروايته "العاطفي"، يكتب الروائي الأسباني خابيير مارياس أن بطلته نتاليا مكتوبة كما لو كانت تظهر من خلف حجاب، والحقيقة أن العمل بكامله يبدو كأن أحداثه تأتينا من خلف حجاب، إذ يقع في مساحة بينية بين الواقع والحلم، لكنه حلم قريب جداً للواقع.

الرواية القصيرة مروية بلسان مطرب أوبرا أسباني يصف أحلامه بأنها تفصيلية ودقيقة، متروية وتميل للمبالغة في آن. في حكيه يخلط الراوي بين أحداث قصة جرت قبل سنوات أربع وبين حلم رآه في الصباح يتمحور حول هذه الأحداث، لكن الحلم هنا لا يخضع لمنطق الأحلام، بل يبدو كحيلة فنية ينجح مارياس عبرها في تغطية أحداث روايته بالحجاب المشار إليه في البداية. الحلم في رواية مارياس يستعيد وقائع القصة ويضفي عليها هالة من المراوغة والأثيرية.

يكتب الراوي خلال يوم واحد ما حدث قبل أربع سنوات، آملاً أن تساعده الكتابة على الفهم. فخلال رحلة قطار كان قد صادف مصرفيا بلجيكيا يدعى مانور وزوجته نتاليا وسكرتيره داتو، ثم تعرف عليهم لاحقاً لإقامتهم جميعاً في فندق واحد في مدريد، لتبدأ علاقته الملتبسة بهم أو بنتاليا تحديداً.

عنوان الرواية أقرب لمفارقة ساخرة، فرغم أن العمل ظاهرياً يتناول قصة حب إلا أنه في الباطن عن استحالة الحب، عن الوحدة: وحدة مطربي الأوبرا ورجال الأعمال الأثرياء ممن يقضون حياتهم بين غرف الفنادق الفاخرة متنقلين من مدينة لأخرى، دون رفقة. كما أن البطل ليس عاطفياً حتى في محبته لنتاليا، فعبر كلماته وأفعاله يبدو كشخص غارق في ذاته يركل حبيبته بيرتا بعيداً عن حياته ما أن يقرر بدء علاقة عاطفية مع نتاليا، كما أن دوافعه لحب نتاليا تبدو كما لو كانت نابعة من رغبته المبهمة في تدمير زوجها أكثر من رغبته فيها هي، مدركاً تماماً أنه في طريقه لتدمير مانور عليه أيضاً أن يدمر بيرتا.

في المقابل تزوج مانور نتاليا زواجاً أقرب للصفقة لأنه أحبها من أول نظرة، وانتظر – بلا طائل - لسنوات أن تبادله الحب، حريصاً على إبعاد الرجال الآخرين عنها ما استطاع، وانتحر في النهاية حين هجرته. أما نتاليا نفسها فلا نراها إلا من خلف حجاب، كما أوضح مارياس، نستشف فقط أن الضجر هو ما يقودها دافعاً إياها للهرب بلا سابق إنذار أو كلمة وداع.

نثر مارياس أنيق ومشحون بالأفكار دون استعراض، حافل بالاستطرادات دون إطناب وممتع لدرجة أن القارئ قد ينجرف معه أحياناً متناسياً أحداث الرواية ومستمتعاً بقدرة الكاتب على التعامل مع الكلمات والأفكار، ولكن ما قد يبدو استطراداً فائضاً عن حاجة النص يتضح لاحقاً أنه من صميمه. فمثلاً حين يستفيض الراوي في الحكي عن رجال الأعمال معتادي السفر مقارناً إياهم بمطربي الأوبرا في وحدتهم وعزلتهم، وكيف أن حياة كثيرين منهم تنتهي بالانتحار في غرفة فندق فخم، نعرف مع قرب نهاية الرواية أن هذا المقطع لم يكن اعتباطياً لأنه مؤشرنا الأول على مصير مانور، الذي يتداخل كشخصية على أكثر من مستوى مع الراوي نفسه.

في "العاطفي" يكشف لنا مارياس بهدوء الجانب الكابوسي في حياة مطربي الأوبرا، من نمط حياة غير مستقر وحرص مبالغ فيه على صحتهم لأن أبسط دور برد كفيل بالتأثير على أصواتهم لأسابيع، ليتضاعف هذا البعد الكابوسي عبر شخصية مطرب الأوبرا هوربيجر الذي ينزلق إلى الجنون مع تقدمه في السن.
الرواية ترجمتها للإنجليزية مارجريت جول كوستا، وصدرت عن كلاسيكيات بنجوين.

زاوية "كتاب" نقلاً عن جريدة "أخبار الأدب"...


No comments:

Post a Comment