Thursday, August 11, 2016

حكايات سيريس الروسية






منصورة عز الدين

"حكايات روسية" للكاتب الأسباني فرانثيسك سيريس، مجموعة قصصية متميزة صدرت طبعتها العربية مؤخراً عن دار صفصافة، بترجمة أنجزها المترجم عبد السلام باشا عن القطلونية مباشرة.
في مجموعته هذه، يلجأ فرانثيسك سيريس إلى فكرة لامعة، مفادها تقديم كتابه كما لو كان مختارات قصصية لخمسة كتاب روس، باستهلال لمترجمة متخيلة، وسيرة مختصرة لكل كاتب وكاتبة من المؤلفين المفترضين. يتظاهر سيريس بأن دوره في الكتاب ينحصر في كتابة مقدمة طلبت منه المترجمة كتابتها.
أن ينسب كاتب ما كتاباته لآخرين ليس أمراً جديداً، بل تقليد مطروق منذ القدم، والكتابة بأسماء مستعارة لكتاب مُخترَعين مسألة ليست جديدة أيضاً، يمكننا هنا تذكر فرناندو بيسوا وإيتالو كالفينو في "لو أن مسافرًا في ليلة شتاء" وآخرين، لكن الفيصل هو كيف تعامل فرانثيسك سيريس مع فكرته هذه؟ وإلى أي مدى أقنع القارئ بتقمصه لهؤلاء القرناء من الكتاب الروس؟
بدايةً، إلمام الكاتب بتاريخ روسيا وتفاصيل الحياة الروسية لافت دون مبالغة أو استعراض، خاصة أنه ينحاز بذكاء للبسيط والعابر، كما أن تباين انشغالات وأمزجة الكتاب الخمسة المتخيلين ملحوظ ومقنع، لدرجة أن القارئ يمكنه أن يختار كاتباً مفضلاً أو أكثر من بين الخمسة، غير أن هذا التباين لا يصل حد الفصام التام، إذ ثمة رابط ما بين المؤلفين الخياليين؛ كأننا أمام وجوه متنوعة لكاتب واحد، لا أمام خمسة كتاب مختلفين حقاً.
في السيرة المختصرة التي تسبق قصص كل كاتب يحرص سيريس على الإشارة صراحةً إلى سماته وخصائص أسلوبه، وهو أمر فائض عن الحاجة ولا ضرورة فنية له، فقط يعكس عدم ثقة محتمل في ذكاء قارئ المجموعة، فاختلاف السمات والعوالم واضح كما أشرت سابقاً.
على امتداد قصص المجموعة سنصادف آولا يفجينيفا بقصصها التي ترسم العلاقات العاطفية في روسيا المعاصرة، وسنتوقف بوجه خاص أمام قصتها "الرهان"، وهي قصة لا تُنسَى بفضل جملتها الختامية التي تدفعنا لإعادة قراءة النص والعلاقة بين الرجل الناضج والطفلة فيه بطريقة مختلفة.
أما فيرا- مارجريت أبانسيريف فالقصص المنسوبة لها ذات لمسة غامضة ومفتوحة على تأويلات متعددة ومغلفة بأسى لا يكاد يُلحظ على الفردوس المفقود للشيوعية الحقة. "قصص" أبانسيريف من أفضل قصص المجموعة، في رأييّ، خاصة "شفافية الشر" التي تدور حول عجوزين يعودان لقريتهما القريبة من مفاعل تشيرنوبل بعد الكارثة بفترة وقبل أن تختفي آثارها المدمِرة.
والقصص التي نسبها سيريس لفيتالي كروبتكين ساخرة ومتأثرة بالبوب آرت وأيقوناته، فمن واقعة تجنيد إلفيس بريسلي في ألمانيا خلال الخمسينات، ينسج كروبتكين قصة بالغة الطرافة تحول حرب الجواسيس فترة الحرب الباردة إلى مهزلة جالبة للضحك. كما يُذكِّر ليف ريازان – بطل قصة "أكثر رجال العالم وحدة" عن رائد فضاء تعطل محرك مركبته الفضائية – بشخصية "ميجور توم" لدى ديفيد بوي.
المؤلف المتخيل الرابع هو ألكسندر فولكوف وقصصه تتسم بسخرية مرة وإحداها (الحرب على الفوروميانس) غير مكتملة.
أما المؤلف الخامس والأخير أيوسيف بيرجشنكو فنصوصه أقرب لمنطق الحدوتة وتميل إلى التجريد مقارنةً بباقي نصوص الكتاب.

عبر هؤلاء الكتاب الخمسة، ينجح فرانثيسك سيريس في تقديم جوانب متنوعة للحياة في روسيا خلال فترات مختلفة موضحاً أن الماضي يسكن الحاضر؛ فالأرثوذكسية تمتزج مع الشيوعية في المفتتح المنسوب لنيكيتا ريفونوف، والبارون المستغِل يصبح ممثل الحزب ويظل ساكناً في القلعة ومتحكماً في المصائر، ولا عزاء للجندي الذي شارك في الثورة. تكشف القصص أيضا، برهافة فنية وبعيداً عن الهجاء أو المباشرة، كيف تداعت التجربة الشيوعية من داخلها.

زاوية "كتاب".. نقلاً عن جريدة "أخبار الأدب"..

No comments:

Post a Comment