Thursday, April 10, 2014

قاهرة المعز


منصورة عز الدين

لسنوات طويلة اختزلتُ القاهرة في قاهرة الخديوي إسماعيل، التي لطالما نظرت إليها باعتبارها توق المدينة إلى التحديث واللحاق بركب العالم المتقدم. أرادها إسماعيل "قطعة من أوروبا"، وفي خضم حماسته لتحقيق حلمه، لم يتأمل ماضي المدينة المتمثل في القاهرة الفاطمية، حيث شارع المعز وما يحتويه ويحيط به من مبانٍ وآثار فريدة، ولو فعل لربما اهتدى إلى وصفة ما لوصل ما انقطع ولاستلهام التراث المعماري القديم والاستفادة منه من دون التخلي عن حلمه الأصلي، لو فعل هذا لربما انسجمت القاهرة الفاطمية مع محيطها ولو بعد مرور قرون عديدة على إنشائها.
اعتدت المرور بالقاهرة المُعِزيّة من دون التفكير فيها أو تأمل فرادتها مقارنة بما يحيط بها من أحياء، وأعترف أني لم أفطن لها جيدًا سوى في مرآة "دمشق القديمة"، حيث تجولت – قبل سنوات - لساعات بصحبة الصديق الروائي ممدوح عزام، وفي الحال حضرت القاهرة الفاطمية في بالي، لم تلفتني أوجه التشابه بين مدينتين عريقتين مبنيتين على النمط الإسلامي، بقدر ما شدتني الاختلافات. هناك بدت المدينة القديمة جزءًا من المكان، منسجمة معه ومنفتحة عليه؛ لا توتر ولا غربة عن السياق المحيط. أما في حالة القاهرة المُعِزية، فرغم قيمتها التاريخية، أشعر أن ثمة جدارًا غير مرئي يفصلها عمّا يجاورها؛ كأن لحظة التأسيس (كعاصمة إسلامية) ظلت ماثلة في الحالتين، لتسم روح كل مدينة من المدينتين على مر الزمان.

حين وضع الأمويون بصمتهم على دمشق واختاروها عاصمة لخلافتهم فعلوا هذا بثقة الفاتح المنتصر المحاط بمؤيديه والباطش بمن اعتبرهم أعداءً له، لكن الفاطميين حين نجحوا في تأسيس عاصمتهم ومن ثم دولتهم في مصر فعلوا هذا وفي نيتهم تحصين أنفسهم ضد محيط لا يأمنون له، إذ قد ينقلب عليهم في أي لحظة، لذا اختار لها قائد الجيوش جوهر الصقلي بقعة بين جبل المقطم من جهة والخليج الكبير من الجهة الأخرى، وحرص على الاهتمام بسورها وقصَرَها في سنواتها الأولى على سكنى الخلفاء الفاطميين ورجال دولتهم وجنودهم وعبيدهم. بشكل ما، كانت مدينة تحتفي بالسر والتقية وانعكس هذا في تصميمها وعمارتها، وليس أدل على هذا مما كتبه قديمًا الرحالة والمؤرخ الفارسي ناصر خسرو في وصفه للقصر الكبير للخليفة الفاطمي: (ويبدو هذا القصر من خارج المدينة كأنه جبل لكثرة ما فيه من الأبنية المرتفعة, وهو لا يرى من داخل المدينة لارتفاع أسواره, وهذا القصر يتكون من اثني عشر بناء, وله عشرة أبواب فوق الأرض, فضلا عن أبواب أخرى تحتها, وتحت الأرض باب يخرج منه السلطان راكباً, وهذا الباب على سرداب يؤدي إلى قصر آخر خارج المدينة, و لهذا السرداب الذي يصل بين القصرين سقف محكم, وجدران القصر من الحجر المنحوت بدقة, تقول إنها قُدَّت من صخر واحد!).

No comments:

Post a Comment